- الظَّاهِرُ أَنَّ أَمْرَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ قَدِ انْتَشَرَ وَذَلِكَ لِابْتِدَاءِ قَولِ المَلَكِ: ((أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَعْطَاكَ اللَّونَ الحَسَنَ وَالجَلْدَ الحَسَنَ وَالمَالَ))، وَلِقَولِهِ: ((كَأَنِّي أَعْرِفُكَ))، وَلِقَولِهِ فِيمَا بَعْدُ: ((فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ)).
- الحَدِيثُ بَوَّبَ عَلَيهِ البُخَارِيُّ ﵀ فِي الصَّحِيحِ: "بَابُ لَا يَقُولُ: مَا شَاءَ اللهُ وَشِئْتَ، وَهَلْ يَقُولُ أَنَا بِاللهِ ثُمَّ بِكَ؟ " (١)، وَالحَدِيثُ دلَّ عَلَى الجَوَازِ (٢).
- فِي الحَدِيثِ إِثْبَاتُ صِفَةِ الإِرَادَةِ للهِ تَعَالَى، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ أَنْوَاعِهَا فِي بَابِ قَولِ اللهِ تَعَالَى: ﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ [سَبَأ: ٢٣].
- فِي الحَدِيثِ أَيضًا أَنَّ الإِنْسَانَ لَا يَلْزَمُهُ الرِّضَى بِقَضَاءِ اللهِ -أَي: بِالمَقْضِيِّ-،
(١) البُخَارِيُّ (٨/ ١٣٣).(٢) قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ ﵀ فِي الفَتْحِ (١١/ ٥٤٠): "وَقَالَ المُهَلَّبُ: إِنَّمَا أَرَادَ البُخَارِيُّ أَنَّ قَولَهُ: ((مَا شَاءَ اللهُ ثُمَّ شِئْتَ)) جَائِزٌ مُسْتَدِلًّا بِقَولِهِ: ((أَنَا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ)) وَقَدْ جَاءَ هَذَا المَعْنَى عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، وَإِنَّمَا جَازَ بِدُخُولِ (ثُمَّ) لِأَنَّ مَشِيئَةَ اللهِ سَابِقَةٌ عَلَى مَشِيئَةِ خَلْقِهِ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنِ الحَدِيثُ المَذْكُورُ عَلَى شَرْطِهِ اسْتَنْبَطَ مِنَ الحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي عَلَى شَرْطِهِ مَا يُوَافِقُهُ.وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يَقُولَ: (مَا شَاءَ اللهُ ثُمَّ شِئْتَ) وَكَانَ يَكْرَهُ: (أَعُوذُ بِاللَّهِ وَبِكَ)، وَيُجِيزُ: (أَعُوذُ بِاللَّهِ ثمَّ بِكَ) وَهُوَ مُطَابِقٌ لحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيرِهِ مِمَّا أَشَرْتُ إِلَيهِ.تَنْبِيهٌ: مُنَاسَبَةُ إِدْخَالِ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ فِي كِتَابِ الأَيمَانِ مِنْ جِهَةِ ذِكْرِ الحَلِفِ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا ذَكَرْتُ، وَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ قَدْ يُتَخَيَّلُ جَوَازُ اليَمِينِ بِاللَّهِ ثُمَّ بِغَيرِهِ عَلَى وِزَانِ مَا وَقَعَ فِي قَولِهِ: ((أَنَا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ)) فَأَشَارَ إِلَى أَنَّ النَّهْيَ ثَبَتَ عَنِ التَّشْرِيكِ، وَوَرَدَ بِصُورَةِ التَّرْتِيبِ عَلَى لِسَانِ المَلَكِ، وَذَلِكَ فِيمَا عَدَا الأَيمَانَ، أَمَّا اليَمِينُ بِغَيرِ ذَلِكَ فَثَبَتَ النَّهْيُ عَنْهَا صَرِيحًا فَلَا يُلْحَقُ بِهَا مَا وَرَدَ فِي غَيرِهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute