وَبَعْدَ ذَلِكَ نَقُولُ: إِنَّ مِنَ أَدِلَّة حَقِيقَةِ وَأَثَرِ السِّحْرِ:
١ - قَولُهُ تَعَالَى: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ﴾ [الفَلَق: ١ - ٤] وَالنَّفَّاثَاتُ فِي العُقَدِ: هُنَّ السَّوَاحِرُ (١) مِنَ النِّسَاءِ، وَلَمَّا أُمِرَ بِالاسْتِعَاذَةِ مِنْ شَرِّهِنَّ عُلِمَ أَنَّ لَهُنَّ تَأْثِيرًا وَضَرَرًا حَقِيقَةً.
وَفِي الحَدِيثِ: ((مَنْ تَصَبَّحَ سَبْعَ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً؛ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ اليَومَ سُمٌّ وَلَا سِحْرٌ)) (٢)، فعَطْفُ السِّحْرِ عَلَى السُّمِّ؛ يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ التَّأْثِيرِ الحَقِيقِيِّ؛ بَلْ وَعَلَى عِظَمِ أَثَرِهِ حَيثُ عُطِفَ عَلَى السُّمِّ المُمِيتِ.
٢ - قَولُهُ تَعَالَى: ﴿فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَينَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [البَقَرَة: ١٠٢] ظَاهِرٌ فِيهِ أَثَرُ السِّحْرِ فِي التَّفْرِيقِ وَالضَّرَرِ، "وَغَيرُ مُسْتَنْكَرٍ فِي العَقْلِ أَنْ يَكُونَ البَارِي سُبْحَانَهُ يَخْرِقُ العَادَاتِ عِنْدَ النُّطْقِ بِكَلَامٍ مُلَفَّقٍ أَو تَرْكِيبِ أَجْسَامٍ، أَوِ المَزْجِ بَينَ قِوىً عَلَى تَرتَيبٍ مَا لَا يَعْرِفُهُ إِلَّا السَّاحِرُ" (٣).
وَالإِيمَانُ بِحَقِيقَةِ السِّحْرِ وَأَثَرِهِ لَيسَ بِأَعْجَبَ مِنَ الإِيمَانِ بِحَقِيقَةِ الحَسَدِ وَالعَينِ،
=قُلْتُ: أَمَّا كَونُ سِحْرِهِم تَخْيِيلًا فَصَحِيحٌ، أَمَّا كَونُهُ لَيسَ لَهُ حَقِيقَةٌ! فَخَطَأٌ، وَلَيسَ فِي قِصَّةِ مُوسَى مَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ، بَلْ يَدُلُّ عَلَى حَقِيقَتِهِ أَنَّهُ أثَّرَ فِي الأَعْيُنِ حَتَّى تَخَيَّلوا، فَتَحَوُّلُ الحِبَالِ وَالعِصِيِّ إِلَى أَفَاعِي لَيسَ لَهُ حَقِيقَةٌ، وَأَمَّا تَأَثُّرُ الأَعْيُنِ فَحَقِيقَةٌ. وَاللهُ تَعَالَى المُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ.(١) قَالَهُ البُخَارِيُّ ﵀ فِي الصَّحِيحِ (٧/ ١٣٦).(٢) البُخَارِيُّ (٥٧٦٩) عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ مَرْفُوعًا.(٣) إِكْمَالُ المُعْلِمِ (٧/ ٨٦).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute