أَخِيرًا؛ نَقُولُ: لَا يِلْزَمُ أَبَدًا مِنْ كَونِ الرَّجُلِ يُصْرَعُ أَنَّهُ لَا يُؤَاخَذُ بِمَا بَدَرَ مِنْهُ فِي حَالِ صَرَعِهِ مُطْلَقًا! بَلْ مَرْجِعُ ذَلِكَ إِلَى كَونِهِ مَغْلُوبًا عَلَى عَقْلِهِ أَمْ غَيرَ مَغْلُوبٍ، لِقَولِ النَّبِيِّ ﷺ: ((رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ المَجْنُونِ المَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ حَتَّى يَبْرَأَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيقِظَ، وعَنِ الصَّبِيِّ حتَّى يَحْتَلِمَ)) (١).
قَالَ الشَّيخُ عَبْدُ المُحْسِنِ العَبَّادِ حَفِظَهُ اللهُ تَعَالَى جَوَابًا عَلَى سُؤَالٍ: هَلِ المَسْحُورُ أَوِ الَّذِي بهِ صَرَعٌ لَهُ حُكْمُ المَعْذُورِينَ؟ وَهَلْ إِذَا فَعَلَ إِثْمًا ثُمَّ عُلِمَ أَنَّهُ مَسْحُورٌ -وَفَعَلَ هَذَا بِغَيرِ إِرَادَتِهِ- لَا يُقَامُ عَلَيهِ الحَدُّ؟
الجَوَابُ: "إِذَا كَانَ فَاقِدَ العَقْلِ؛ فَإِنَّهُ لَا يُقامُ عَلَيهِ الحَدُّ، وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ فَاقِدَ العَقْلِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ لَهُ شَيءٌ مِنْ تِلْكَ العَوَارِضِ -وَعَقْلُهُ مَوجُودٌ مَعَهُ- فَإِنَّهَ يُقَامُ عَلَيهِ الحَدُّ، حَتَّى لَو كَانَ عِنْدَهُ أَلَمٌ أَوِ اكْتِئَابٌ وَعَدَمُ ارْتِيَاحٍ، لَكِنَّ الشَّيءَ الَّذِي يُعْذَرُ فِيهِ هُوَ فُقْدَانُ العَقْلِ" (٢).
- مُنَاقَشَةُ شُبْهَةٍ مُتَعَلِّقَةٍ فِي نَفْي المَسِّ
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُ بَعْضِهِم -كَالْمُعْتَزِلَةِ- عَلَى نَفْي المَسِّ بِمِثْلِ قَولِهِ تَعَالَى عَنِ الشَّيطَانِ: ﴿وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي﴾ [إِبْرَاهِيم: ٢٢]، يَعْنَي: أَنَّ سُلْطَانَهُ هُوَ الدَّعْوَةُ فَقَط! وَلَيسَ عِنْدَهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ!! فَمَرْدُودٌ.
وَذَلِكَ لِأَنَّ السُّلْطَانَ هُنَا مَعْنَاهُ: الحُجَّةُ وَالبُرْهَانُ، وَهَذَا حَقٌّ، يَعْنِي أَنَّ الشَّيطَانَ لَيسَ لَهُ حُجَّةٌ وَلَا بُرْهَانٌ فِيمَا دَعَا النَّاسَ إِلَيهِ مِنَ الكُفْرِ بِاللهِ تَعَالَى، وَتَزْيِينِ المَعَاصِي.
(١) صَحِيحٌ. أَبُو دَاوُدَ (٤٣٩٩) عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا. صَحِيحُ الجَامِعِ (٣٥١٢).(٢) شَرْحُ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ، شَرِيط رَقَم (٤٩٦).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute