٣ - أَنَّ مُرَادَ الحَدِيثِ أَنَّ فِعْلَهُ هَذَا أَبَدِيٌّ مَا دَامَ فِي جَهَنَّمَ؛ لَا أَنَّ قِيَامَهُ فِي جَهَنَّمَ أَبَدِيٌّ! وَهَذَا الوَجْهُ أَولَى الأَوجُهِ عِنْدِي (١).
وَيَشْهَدُ لِهَذَا الوَجْهِ قَولُهُ تَعَالَى عَنِ الكُفَّارِ فِي عَدَمِ تَمَنِّي المَوتِ: ﴿وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا﴾ [البَقَرَة: ٩٥] مَعَ قَولِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَينَا رَبُّكَ﴾ [الزُّخْرُف: ٧٧] (٢).
- مُنَاقَشَةٌ ثَانِيَةٌ: فِي التَّعْلِيقِ عَلَى جَوَازِ إِخْلَافِ الوَعِيدِ دُونَ الوَعْدِ.
قَالَ الشَّيخُ ابْنُ عُثَيمِينَ ﵀ عِنْدَ تَفْسِيرِ قَولِهِ تَعَالَى: ﴿أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ﴾ [الزخرف: ٤٢]: "أَنَّ الوَعْدَ يَأْتِي فِي الشَّرِّ وَالعُقُوبَةِ؛ خِلَافًا لِمَن قَالَ: الوَعْدُ فِي الخَيرِ؛ وَالإِيعَادُ فِي الشَّرِّ! وَأَنْشَدُوا عَلَى ذَلِكَ قَولَ الشَّاعِرِ: وَإِنِّي؛ وَإِنْ أَوْعَدْتُهُ أَوْ وَعَدْتُهُ لَمُخْلِفٌ إِيعَادِي وَمُنْجِزٌ مَوعِدِي (٣)، فَالصَّوَابُ أَنَّ مَعْنَاهَا أَنَّهَا تُطْلَقُ عَلَى هَذَا وَعَلَى هَذَا، فَهُنَا قَالَ: ﴿الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ﴾ وَعَلَى قِيَاسِ قَولِ البَيتِ يَكُونُ التَّعْبِيرُ: (الَّذِي أَوْعَدْنَاهُم)! وَلَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهَا جَائِزَةٌ لِهَذَا وَهَذَا" (٤).
وَقَدْ عَقَّبَ شَيخُنَا الالبَانِيُّ ﵀ عَلَى ابْنِ القَيِّمِ فِي مَسْأَلَةِ فَنَاءِ النَّارِ فِي أَنَّ اللهَ تَعَالَى "لَمْ يَقُلْ فِي مَوضِعٍ وَاحِدٍ: لَا يُخْلِفُ وَعِيدَهُ"! فَقَالَ شَيخُنَا ﵀: "قَدْ فَاتَهُ -
=الحَافِظُ فِي الفَتْحِ (٣/ ٢٢٧).وَلَكِنْ قَالَ المُبَارَكْفُورِيُّ ﵀ فِي تُحْفَةِ الأَحْوَذِيِّ (٦/ ١٦٦): "مَقْصُودُ التِّرْمِذِيِّ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ وَهْمٌ؛ فَإِنَّهَا تُخَالِفُ الرِّوَايَاتِ الَّتِي تَجِيءُ بِأَنَّ أَهْلَ التَّوحِيدِ يُعَذَّبُونَ فِي النَّارِ ثُمَّ يَخْرُجُونَ مِنْهَا، قُلْتُ: هَذِهِ الزِّيَادَةُ زَادَهَا الْأَعْمَشُ وَهُوَ ثِقَةٌ حَافِظٌ، وَزِيَادَةُ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، فَتَأْوِيلُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ أَولَى مِنْ تَوهِيمِهَا".(١) وَهَذَا أَجَابَ بِهِ الكَشْمِيرِيُّ ﵀ فِي فَيضِ البَارِي (٣/ ٧٥)، وَكَذَا فِي العُرْفِ الشَّذِيِّ (٣/ ٣٥٠) لَهُ أَيضًا.(٢) يُنْظَرُ: (حَادِي الأَرْوَاح) لِابْنِ القَيِّمِ (٢/ ٦٠٨).(٣) البَيتُ لِعَامِرِ بنِ الطُّفَيلِ. يُنْظَرُ: (لِسَانُ العَرَبِ) (١٤/ ٢٢٣).(٤) تَفْسِيرُ ابْنِ عُثَيمِينَ لِسُورَةِ الزُّخْرُفِ (ص ١٦٣).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute