وَفِي هَذَا دَلِيلٌ أَنَّ صَوتَ اللهِ لَا يُشْبِهُ أَصْوَاتَ الخَلْقِ، لِأَنَّ صَوتَ اللهِ جَلَّ ذِكْرُهُ يُسْمَعُ مِنْ بُعْدٍ كَمَا يُسْمَعُ مِنْ قُرْبِ، وَأَنَّ المَلائِكَةَ يُصْعَقُونَ مِنْ صَوتِهِ" (١).
وَبَوَّبَ ﵀ عَلَى الحَدِيثِ فِي صَحِيحِهِ: "بَابُ قَولِ اللهِ تَعَالَى ﴿وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ وَلَمْ يَقُلْ: مَاذَا خَلَقَ رَبُّكُمْ؟ وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾، وَقَالَ مَسْرُوقٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: إِذَا تَكَلَّمَ اللهُ بِالوَحْيِ؛ سَمِعَ أَهْلُ السَّمَوَاتِ شَيئًا، فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ وَسَكَنَ الصَّوتُ عَرَفُوا أَنَّهُ الحَقُّ وَنَادَوا: ﴿مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ﴾. وَيُذْكَرُ عَنْ جَابِرٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيسٍ؛ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: ((يَحْشُرُ اللهُ العِبَادَ؛ فَيُنَادِيهِمْ بِصَوتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ: أَنَا المَلِكُ، أَنَا الدَّيَّانُ)) " (٢).
- الكَاهِنُ: هُوَ الَّذِي يَدَّعِي مَعْرِفَةَ المُغَيَّبَاتِ فِي المُسْتَقْبَلِ وَمَا فِي الضَّمِيرِ (٣).
- قَولُهُ: (وَصَفَ سُفْيَانُ بِكَفِّهِ): أَي: وَصَفَ رُكُوبَ بَعْضِهِم فَوقَ بَعْضٍ.
وَسُفْيَانُ هُوَ ابْنُ عُيَينَةَ؛ أَبُو مُحَمَّدٍ الهِلَالِيُّ الكُوفِيُّ (ت ١٩٨ هـ).
(١) خَلْقُ أَفْعَالِ العِبَادِ (ص ٩٨).(٢) البُخَارِيُّ (٩/ ١٤١).قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ ﵀ فِي الفَتْحِ (١٣/ ٤٥٦) -عَنْ أَثَرُ ابْنِ مَسْعُودٍ السَّابِقِ-: "وَقَدْ وَصَلَهُ البَيهَقِيُّ فِي الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ صُبَيحٍ -وَهُوَ أَبُو الضُّحَى- عَنْ مَسْرُوقٍ".وَالحَدِيثُ رَوَاهُ أَيضًا ابْنُ مَاجَه ﵀ فِي المُقَدِّمَةِ مِنَ السُّنَنِ (١/ ٦٢)؛ وَقَالَ: "بَابٌ فِي مَا أَنْكَرَتِ الجَهْمِيَّةُ"، قُلْتُ: وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ المُرَادَ مِنْهُ إِثْبَاتُ صِفَةِ الكَلَامِ للهِ تَعَالَى حَقِيقَةً خِلَافًا لِلْمُعَطِّلَةِ.(٣) وَسَيَأْتِي الكَلَامُ عَلَيهِ فِي بَابٍ مُسْتَقِلٍ إِنْ شَاءَ اللهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute