الجَوَابُ: للهِ تَعَالَى صِفَةُ الأَصَابِعِ، وَهِيَ غَيرُ صِفَةِ المُلْكِ، وَلَيسَ فِي إِثْبَاتِ ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّجْسِيمِ للهِ تَعَالَى! فَنُثْبِتُ مَا أَثْبَتَهُ اللهُ تَعَالَى لِنَفْسِهِ وَنَنْفِي عَنْهُ مَا نَفَى سُبْحَانَهُ عَنْ نَفْسِهِ.
وَلَئِنْ كَانَتْ صِفَةُ السَّمْعِ وَالبَصَرِ وَالإِرَادَةِ لَا تَدُلُّ عَلَى التَّمْثِيلِ -رُغْمَ أَنَّ أَغْلَبَ المَخْلُوقَاتِ الحَيَوَانِيَّةِ لَهُم مِنْ جِنْسِ هَذِهِ الصِّفاتِ-؛ فَإِنَّ صِفَةَ الأَصَابِعِ للهِ تَعَالَى أَيضًا لَا تَدُلُّ عَلَى التَّمْثِيلِ وَلَا عَلَى التَّجْسِيمِ، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ القَومَ شَبَّهُوا أَوَّلًا فنَفَرُوا، فعَطَّلُوا ثَانِيًا فَكَفَرُوا.
أَمَّا مَا ذُكِرَ فِي بَيَانِ مَعْنَى الحَدِيثِ الَّذِي فِي صَحِيحِ البُخَارِيِّ -وَالَّذِي فِيهِ إِثْبَاتُ صِفَةِ الأَصَابِعِ، فَنَحْنُ نُورِدُهُ وَنُلَخِّصُ مِنْهُ أَوجُهًا فِي بَيَانِ المَطْلُوبِ- إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.
فَفِي صَحِيحِ البُخَارِيِّ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ﵁ قَالَ: جَاءَ حَبْرٌ مِنَ الأَحْبَارِ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّا نَجِدُ أَنَّ اللهَ يَجْعَلُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ، وَسَائِرَ الخَلَائِقِ عَلَى إِصْبَعٍ، فَيَقُولُ: أَنَا المَلِكُ. فَضَحِكَ النَّبِيُّ ﷺ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ تَصْدِيقًا لِقَولِ الحَبْرِ. ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ ﷺ ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الزُّمَرْ: ٦٧] (١).
=وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ الخَطَّابِيُّ فِي رِسَالَتِهِ فِي (الغُنْيَةُ عَنِ الكَلَامِ وَأَهْلِهِ)، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا يُؤْخَذُ مِن كَلَامِهِ فِي كَثِيرٍ مِن كُتُبِهِ -مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ، وَيُوَافِقُ طَرِيقَةَ المُتَكَلِّمِينَ- فَقَدْ رَجَعَ عَنْهُ؛ فَإِنَّ نَفيَ كَثِيرٍ مِن الصِّفَاتِ إِنَّمَا هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى ثُبُوتِ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ". فَتْحُ البَارِي لِابْنِ رَجَبٍ (٧/ ٢٣٦).(١) البُخَارِيُّ (٤٨١١)، وَمُسْلِمٌ (٢٧٨٦).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute