لما فتحنا تَسْتُر، وجدنا في بيت مال الهرمزان (١) سريرًا عليه رجل ميت، عند رأسه مصحف له، فأخذنا المصحف فحملناه إلى عمر بن الخطاب ﵁ … ، … قلت: فما صنعتم بالرجل؟
قال: حفرنا بالنهار ثلاثة عشر قبرًا متفرقة، فلما كان الليل دفناه،
وسوينا القبور كلها، لنعميّه على الناس، لا ينبشونه.
قلت: وما يرجون منه؟
قال: كانت السماء إذا حُبستْ عليهم، برزوا بسريره فيُمْطَرُون.
قلت: من كنتم تظنون الرجل؟ قال: رجل يقال له: دانيال.
فقلت: منذ كم وجدتموه مات؟ قال: منذ ثلاثمائة سنة (٢).
قلت: ما كان تغير بشيء؟ قال: لا، إلا شعيرات من قفاه،
إن لحوم الأنبياء لا تبليها الأرض، ولا تأكلها السباع (٣).
فأمرُ أميرِ المؤمنين عمر بن الخطاب ﵁ بقطع الشجرة، وتعمية قبر دانيال ﵇، دليل على وجوب إزالة الآثار التي يُخشى افتتان الناس بها أو قد يحصل الاغترار بها.
فلما اجتمعت القرائن بفعله ﵁، ولم يخالفه الصحابة ﵃ في ذلك، ولم ينكروا عليه ﵁(٤)، عُلم أن عدم إحيائها من باب أولى.
(١) الهرمزان صاحب تستر وهو من جملة الملوك الذين يرأسهم يزدجرد، أسلم على يد الخليفة عمر بن الخطاب ﵁، هُزم الهرمزان إثر معركة نهاوند، وجيء به إلى المدينة حيث بقي فيها، وقيل: أنه شارك في مؤامرة اغتيال عمر ﵁. توفي بعد سنة: (١٣ هـ)، يُنظر: تاريخ الإسلام، للذهبي (٢/ ١٦٣)، تقريب التهذيب، لابن حجر (١/ ٥٧١)، حاشية سيرة ابن إسحاق (٦٦). (٢) يقول محقق كتاب سيرة ابن إسحاق (٦٧): والأقرب إلى الصحة إبدال المئة بألف. (٣) رواه ابن إسحاق في مغازيه (٦٦ - ٦٧) مطولاً، والطبري في تاريخ الأمم والملوك (٢/ ٥٠٥) بنحوه، صححه الألباني في فضائل الشام ودمشق (١٨)، وقال محقق كتاب الصَّارم المُنْكِي في الرَّدِّ عَلَى السُّبْكِي (١٢٩): سند القصة حسن. (٤) يُنظر: فتح المجيد، لعبد الرحمن بن حسن (٢٤٦)، موسوعة العلامة الألباني في العقيدة (٢/ ٤٩٧ - ٤٩٨)، حكم زيارة أماكن السيرة النبوية (٢٩ - ٣٠).