رسول الله ﷺ يقول:«لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِي هذا، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى»(١).
ففهم أبو بصرة ﵁: أن النهي يشمل المواطن الفاضلة كالطور، ويستثني المساجد الثلاثة، وأقّره على ذلك أبو هريرة ﵁(٢).
مناقشة الدليل: ورد الإنكار؛ لأن فيه شدّ رحال، وقصد المكان بالسفر إلى المواضع المباركة.
القول الثاني: بالإباحة، واستدلوا بما يلي:
الدليل الأول: ورد عن النبي ﷺ أنه صعد أُحدًا هو وأبو بكر وعمر وعثمان ﵃ فرجف بهم فقال: «اثْبُتْ أُحُدُ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ، وَصِدِّيقٌ، وَشَهِيدَانِ»(٣).
مناقشة الدليل: صعوده ﷺ للجبل ليس لكونه موضع من مواضع السيرة، وإنما أراد ﷺ النشاط والحركة، فصعد الجبل، بدلالة أنه ﷺ لم يزر غار ثور ولا شجرة البيعة مع كونهما مذكورين بالقرآن، فهما أولى بالزيارة من غيرهما، ومع ذلك لم يزرهما (٤).
الدليل الثاني: ورد عن النبي ﷺ أنه نزل بالصحابة على الحجر، أرض ثمود، وقال ﷺ:«لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُعَذَّبِينَ إِلاَّ أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ، لا يُصِيبُكُمْ ما أَصَابَهُمْ»(٥).
(١) أخرجه الطيالسي (١٣٤٨)، والإمام أحمد (٦/ ٧/ ح ٢٣٨٤٨) والسياق له، وإسناده صحيح. وله عند أحمد طريقان آخران، إسناد الأول منهما حسن، والآخر صحيح. يُنظر: أحكام الجنائز، للألباني (١/ ٢٢٦). (٢) يُنظر: موسوعة العلامة الألباني في العقيدة (٢/ ٥٠٤). (٣) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي ﷺ: «لو كنت متخذًا خليلاً» (٣/ ١٣٤٤/ ح ٣٤٧٢). (٤) يُنظر: حكم زيارة أماكن السيرة النبوية (٢٢). (٥) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة، باب الصلاة في مواضع الخسف والعذاب، (١/ ٩٤/ ح ٤٣٣)، ومسلم في صحيحه، كتاب الزهد والرقائق، باب لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم، (٤/ ٢٢٨٥/ ح ٢٩٨٠).