وأكبر من قول الجعدي قول عبدة بن الطّبيب:[من البسيط]
إذا أشْرَفَ الدِّيكُ يَدْعو بَعْضَ أُسْرَتِهِ ... إلى الصَّباحِ وهُمْ قَوْمٌ مَعازيلُ.
فجعل للدِّيك أسرة وسمَّهم قوم.
[الفصل الثامن والسبعون: في خصائص من كلام العرب.]
للعرب كلام تَخُصُّ به معاني في الخير والشَّرِّ وفي الليل والنهار وغيرهما فمن تلك التتابع والتَّهافُت لا يكونان إلا في الشَّرِّ. وهاج الفحل والشَّر والحرب والفتنة. ولا يُقال: هاج لِما يؤدي إلى الخير. وظَلَّ يفعل كذا إذا فعله نهارا وبات يفعل كذا إذا فعله ليلا. والتَّأويب: سير النَّهار لا تَعْريج فيه. والإسْئادُ: سيرُ الليل لا تَعريس فيه. ومن ذلك قوله تعالى:{فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ} ١ أي مَثَّلنا بهم ولا يُقال: جُعِلوا أحاديثَ إلا في الشَّرِّ. ومن ذلك: التأبين: لا يكون إلا مدحا للميت. والمساعاة: لا تكون إلا للزنا بالإماء دون الحرائر. ويُقال نَفَشَتِ الغَنَمُ لَيلاً وهَمَلَتْ نهاراً. وخُفِضَتِ الجاريةُ ولا يُقال: خُفِضَ الغُلام. ولَقَمَهُ بِبَعْرَةٍ إذا رماه بها ولا يقال ذلك في غيرها.
الفصل التاسع والسبعون: يناسبه في الرّيح والمطر.
لم يأت لفظ الرِّيح في القرآن إلا في الشَّرِّ والرِّياح إلا في الخير. قال عزَّوجلَّ:{وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ, مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} ٢ وقال سبحانه: {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ, تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} ٣ وقال جلَّ جَلالُه: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} ٤ وقال: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} ٥ وعن عبد الله بن عمر: الرِّياح ثمان فأربع رحمة وأربع عذاب. فأمَّا التي للرَّحمة: فالمُبَشِّرات والمُرْسَلات والذَّرِيات والنَّاشِرات وأما التي للعذاب: فالصَّرصَرُ والعَقيمُ وهما في البرِّ والعاصِفُ والقاصِفُ وهما في البحر ولم يأتِ لفظُ الإمطار في القرآن إلا
١ سورة سبأ الآية: ١٩. ٢ سورة الذريات: الآيتان ٤١، ٤٢. ٣ سورة القمر: الآيتان ١٩، ٢٠. ٤ سورة الأعراف الآية: ٥٧. ٥ سورة الروم: الآية ٤٦.