فَأَتَاهُ مَا أَزْعَجَهُ مِنْ خُرُوجِ العَبَّاسِ بنِ المَأْمُوْنِ عَلَيْهِ، فَظَفِرَ بِالعَبَّاسِ.
وَكَانَ العَبَّاسُ بَدِيْعَ الحُسْنِ، وَكَانَ بَلِيْداً، غَزَا فِي أَيَّامِ أَبِيْهِ الرُّوْمَ، وَوَلِيَ الجَزِيْرَةَ، وَذَهَبَتْ مِنْهُ الخِلاَفَةُ بِغَيْبَتِهِ، ثُمَّ نَخَّاهُ عُجَيْفٌ، وَشَجَّعَهُ عَلَى الخُرُوجِ، وَوَافَقَهُ عِدَّةُ أُمرَاءَ، وَعَرَفَ المُعْتَصِمُ، فَأَخَذَ العَبَّاسَ.
فَقِيْلَ: غَمَّهُ بِكِسَاءٍ حَتَّى تَلِفَ بِمَنْبِجَ (١) .
وَقِيْلَ: إِنَّ يَحْيَى بنَ أَكْثَمَ نَظَرَ إِلَيْهِ، فَتَبَسَّمَ المَأْمُوْنُ، فَرَوَى يَحْيَى حَدِيْثاً فِي النَّظَرِ إِلَى الوَجْهِ الحَسَنِ، فَقَالَ المَأْمُوْنُ: اتَّقِ اللهَ، فَهَذَا الحَدِيْثُ كَذِبٌ.
وَلَمَّا عَظُمَ الأَفْشِيْنُ بِاسْتِئْصَالِهِ لِبَابَكَ، طَلَبَ نِيَابَةَ خُرَاسَانَ، وَبَلَغَهُ خُرُوْجُ المَازَيَارَ، وَمُحَارَبَتُهُ لابْنِ طَاهِرٍ، فَدَسَّ مَنِ اسْتَمَالَهُ لَهُ، وَقَوَّى عَزْمَهُ، وَخَرَّبَ المَازَيَارُ البِلاَدَ، وَقَتَلَ، وَعَسَفَ.
ثُمَّ جَهَّزَ المُعْتَصِمُ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ الأَفْشِيْنَ لِحَرْبِهِ، وَبَعَثَ ابْنُ طَاهِرٍ جَيْشاً، عَلَيْهِم عَمُّهُ لِحَرْبِهِ أَيْضاً، وَجَرَتْ حُرُوْبٌ يَطُوْلُ بَسْطُهَا، وَقُتِلَ المَازَيَارُ (٢) .
وَفِي سَنَةِ خَمْسٍ: قَبَضَ المُعْتَصِمُ عَلَى الأَفْشِيْنِ، وَكَانَ عَدُوّاً لابْنِ طَاهِرٍ، وَابْنِ أَبِي دُوَادَ، فَعَقَرَاهُ، وَأَلْقَيَا فِي ذِهْنِ المُعْتَصِمِ أَنَّهُ يُرِيْدُ قَتْلَكَ، فَتَهَدَّدَ كَاتِبَهُ، فَاعْتَرَفَ، وَقَالَ:
أَمَرَنِي أَنْ أَكْتُبَ إِلَى المَازَيَارِ: إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ غَيْرِي وَغَيْرُكَ، وَجَيْشُ الخَلِيْفَةِ عِنْدَ ابْنِ طَاهِرٍ، وَمَا عِنْدَ الخَلِيْفَةِ سِوَايَ، فَإِنْ هَزَمْتَ ابْنَ طَاهِرٍ، كَفَيْتُكَ المُعْتَصِمَ، وَيَخْلُصُ لَنَا الدِّينُ الأَبْيَضُ -يَعْنِي:
(١) " تاريخ الطبري " ٩ / ٧١ - ٧٧، و" الكامل " لابن الأثير ٦ / ٤٨٩ - ٤٣٩.(٢) انظر خبره في " تاريخ الطبري " ٩ / ٨٠ - ٨٤، و" الكامل " لابن الأثير ٦ / ٤٩٥.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute