لا بد منها، لأن الله وعده بإجابتها، وهو لا يخلف الميعاد، أما بقية دعوات الأنبياء فإنها على رجاء الإِجابة (١) " يدعو بها " أي له أن يدعو بها متى شاء فتستجاب له ويعطى سؤله " وأريد أن أختبىء دعوتي شفاعة لأمتي في الآخرة " أي وأريد أن أدّخر دعوتي المستجابة وأحتفظ بها إلى الآخرة حتى أجعلها شفاعة لأمتي هناك حين يذهب الناس إلى الأنبياء يسألونهم الشفاعة فيقول كل نبي: نفسي نفسي، لأنّه قد استنفذ دعوته، ودعا بها في الدنيا، فلم يبق له منها شيء. ثم يأتونه - صلى الله عليه وسلم - يسألونه الشفاعة. فيقول: أنا لها، أمتي أمتي.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: أن الله جعل لكل نبي دعوة مستجابة فدعا بها في الدنيا (٢)، أما نبينا - صلى الله عليه وسلم - فقد أخر دعوته لتكون شفاعة لأمته في الآخرة. ثانياًً: قال ابن بطال: في هذا الحديث بيان فضل نبينا - صلى الله عليه وسلم - على سائر الأنبياء حيث آثر أمته على نفسه وأهل بيته بدعوته المجابة. قال ابن الجوزي: وهذا من حسن تصرفه إذ جعل الدعوة فيما ينبغي. وقال النووي: فيه كمال شفقته على أمته ورأفته بهم واعتناؤه بالنظر في مصالحهم، فجعل دعوته في أهم أوقات حاجاتهم. الحديث: أخرجه الشيخان. والمطابقة: في كون الترجمة من لفظ الحديث.
٩٩٨ - " باب أفضل الاستغفار "
(١) " فتح الباري " ج ١١. (٢) من ذلك دعوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام عند فراغه من بناء البيت (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ) [البقرة الآيات ١٢٦ - ١٢٩] ومن ذلك دعوة سليمان عليه السلام: (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) [ص: ٣٥]