فذكر العذارى؛ لأنهن مما يصحبهن الخضاب، فأراد انخضاب أيدي الإبل بالدم. وهذا ونحوه من لمحات العرب وإيماءاتها التي تكتفي بأيسرها مما وراءه. ألا ترى إلى قول الهذلي:
أي: فإذا اختَلَجَتْ عنها أولادَها حنَّت إليها، فشبه حنينهنَّ بصوتِ الرعد، فقدَّم ذكر البرق، وأودع الكلام ذكر حَدث صوت الرعد؛ لأنه مما يصحبه وهو كثير، فكذلك قراءته:"وَرَبَأَتْ"، دل بذكر الشخوص والانتصاب على الوفور والانبساط الذي في قراءة الجماعة:"وَرَبَتْ".
ومن ذلك قراءة مجاهد وحميد بن قيس:"خَاسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ"٣.
قال أبو الفتح: هذا منصوب على الحال، أي: انقلب على وجهه خاسرا، وقراءة٤ الجماعة:{خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ} تكون هذه الجملة بدلا من قوله: {انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ} ، فكأنه قال: وإن أصابته فتنة خسر الدنيا والآخرة، ومثله من الجمل التي تقع وهي من فِعْلٍ وفاعِلٍ بدلا من جواب الشرط قوله تعالى:{وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا، يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ} ٥؛ وذلك لأن مضاعفة العذاب هي لُقِيّ الأثام، وعليه قول الآخر:
إنْ يجْبُنُو أو يَغْدِرُوا ... أَوْ يَبْخَلُوا لَا يَحْفِلُوا
١ انظر الصفحة ١٢٦ من الجزء الأول. وفي ك: تتعاطين، وهو تحريف. ٢ البيت لأبي ذؤيب. ويروى أخاله مكان أظنه. والدهم: السود، يريد بها هنا النوق، جمع دهماء. والخلاج: جمع خلوج، وهي الناقة يجذب عنها ولدها بذبح أو موت، فتحن إليه. يقول: أمن ناحيتك هذا البرق يتجاوب الرعد معه كأنه نوق خلاج؟ انظر ديوان الهذليين: ١: ١٦٤، واللسان "خلج". ٣ سورة الحج: ١١، وقبل هذا الجزء من الآية: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ} . ٤ في ك: فقراءة. ٥ سورة الفرقان: ٦٨، ٦٩.