قال أبو الفتح: حُكي أن بعض أصحابنا قال: دخلت علي أبي السمال وهو ينتف شعر إسْبِهِ وهو يقرأ: "ومَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسْنِ قومه"، وإِسْبُهُ يعني عانته، فاللِّسْنُ واللسان، كالريش والرياش: فِعْل وفِعَال بمعنى واحد. هذا إذا أردت باللسان اللغة والكلام. فإن أردت به العضو فلا يقال فيه: لِسْن؛ إنما ذلك في القول لا العضو. وكأن الأصل فيهما للعضو، ثم سَمَّوا القول لسانًا؛ لأنه باللسان، كما يُسَمى الشيء باسم الشيء لملابسته إياه؛ كالراوية٢ والظعينة٣ ونحوها.
ومن ذلك قراءة الحسن:"فَلِيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ"٤.
قال أبو الفتح: هذا لعمري الأصل في لام الأمر: أن تكون مكسورة، إلا أنهم أقروا إسكانها تخفيفًا. وإذا كانوا يقولون: مُرْه فلْيَقُمْ، فيسكنونها مع قلة الحروف والحركات، فإسكانها مع كثرة الحروف والحركات أمثل، وتلك حالها في قوله:"فَلِيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ"، لا سيما وقبلها كسرة الهاء، فاعرف ذلك، فإن مصارفة الألفاظ باب معتمد في الاستثقال والاستخفاف.
ومن ذلك قراءة ابن عباس ومجاهد وابن محيصن:"وَاسْتَفْتِحُوا"٥.
١ سورة إبراهيم: ٤. ٢ الراوية: الدابة يستقى عليها، وتسمى بها المزادة فيها الماء. ٣ الظعينة: الهودج، وتسمى بها المرأة ما دامت في الهودج. ٤ سورة إبراهيم: ١١. ٥ السورة السابقة: ١٥.