وكان ابن عباس يقول: الواحدة رِبْوَة، وهي عنده عشرة آلاف، وأنكرها قطرب، قال: لدخول الواو في الكلمة، وهذا لا يلزم؛ لأنه يجوز أن يكون بنَى من الرِّبوة فعِّيلًا كبطيخ، فصار رِبِّيّ، ومثله من عزوت عِزِّي، ثم جمع فقيل: رِبِّيون، وأما رَبيون بفتح الراء، فيكون الواحد منها منسوبًا إلى الرَّب، ويشهد لهذا قول الحسن: إنهم العلماء الصُّبُر، وليس ننكر أيضًا أن يكون أراد رِبيون ورُبيون، ثم غيَّر الأول لياء الإضافة كقولهم في أمس: إمسي.
ومن ذلك قراءة الحسن:"فَمَا وَهِنُوا"١ بكسر الهاء.
قال أبو الفتح: فيه لغتان: وهَن يهِن، ووهِن يوهَن، وقولهم في المصدر: الوهَن بفتح الهاء يُؤنِّس بكسر الهاء من "وهِن"، فيكون كفرِق فرَقًا وحذر حذرًا. وحدثنا أبو علي أن أبا زيد حكى فيه كسر الهاء في الماضي، وقولهم فيه: الوَهْن، بسكون الهاء يؤنس بفتح عين الماضي كفَتَر فَتْرُا.
ومن ذلك قراءة ابن محيصن، ورُويت عن يحيى وإبراهيم:"أَمْنَةً نُعَاسًا"٢ بسكون الميم.
قال أبو الفتح: روينا عن قطرب أنه قال: الأَمْنة: الأمن، والأَمَنَة بفتح الميم: أشبه بمعاقبة الأمن، ونظير ذلك قولهم: الحبَطَ٣ والحبَجَ٤ والرَّمَث٥، كل ذلك في أدواء الإبل. فلما أسكنوا العين جاءوا بالهاء فقالوا: مَغِل مَغْلَة٦ وحَقِل حقلة٧، وقد أفردنا بابًا في كتاب الخصائص لنحو هذا، وهو باب في ترافع الأحكام٨.
١ سورة آل عمران: ١٤٦. ٢ قراءة الجمهور: {أَمَنَةً} بفتح الميم. سورة آل عمران: ١٥٤. ٣ الحبط: وجع في بطن البعير من كلأ يستوبله. ٤ الحبج: انتفاخ في بطن البعير من أكل العرفج. ٥ الرَّمَث: أن تشتكي الإبل من أكل الرِّمْث -بكسر الراء وسكون الميم- وهو مرعى لها من الحمض. ٦ المغلة: داء في الحيوان من أكل البقل مع التراب. ٧ الحقلة: من أدواء الإبل، ووجع في بطن الفرس من أكل التراب. ٨ هو في الخصائص: ٢/ ١٠٨-١١٣ بلفظ: "ترافع" بالراء، وفي الأصل: "تدافع" بالدال، وهو تحريف.