وَاللَّهِ حِينَئِذٍ أَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ، وَأَنَّ اللَّهَ مُبَرِّئِي بِبَرَاءَتِي، وَلَكِنْ وَاللَّهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنْ يَنْزِلَ فِي شَأْنِي وَحْيٌ يُتْلَى، وَلَشَأْنِي كَانَ أَحْقَرَ فِي نَفْسِي مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ فِيَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى، وَلَكِنْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمَنَامِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللهُ بِهَا، قَالَتْ: فَوَاللَّهِ مَا رَامَ (١) رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَجْلِسَهُ وَلَا خَرَجَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ أَحَدٌ حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ عَلَى نَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ الْبُرَحَاءِ (٢) عِنْدَ الْوَحْيِ حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ (٣) مِنْهُ مِثْلُ الْجُمَانِ (٤) فِي الْيَوْمِ الشَّاتِ (٥) مِنْ ثِقَلِ الْوَحْيِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ، قَالَتْ: فَلَمَّا سُرِّيَ (٦) عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَضْحَكُ، وَكَانَ أَوَّلُ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا، أَنْ قَالَ: "أَبْشِرِي يَا عَائِشَةُ، أَمَا وَاللَّهِ فَقَدْ بَرَّأَكِ اللَّهُ"، فَقَالَتْ لِي أُمِّي: قُومِي إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: لَا وَاللَّهِ لَا أَقُومُ إِلَيْهِ، وَلَا أَحْمَدُ إِلَّا اللَّهَ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ بَرَاءَتي، قَالَتْ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} [النور: ١١] عَشْرَ آيَاتٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَاتِ فِي بَرَاءَتِي، قَالَتْ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَفَقْرِهِ وَاللَّهِ لَا أُنْفِقُ عَلَيْهِ شَيْئًا أَبَدًا بعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} إِلَى قَوْلِهِ {أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: ٢٢]، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللَّهِ إِنِّي لأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي، فَرَجَّعَ إِلَى مِسْطَح النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: وَاللهِ لَا أَنْزِعُهَا أَبَدًا، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَكَانَ رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سَأَلَ زَيْنَبَ ابْنَةَ جَحْشٍ زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أَمْرِي مَا عَلِمْتِ أَوْ مَا رَأَيْتِ؟ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَحْمِي (٧) سَمْعِي وَبَصَرِي وَاللهِ مَا عَلِمْتُ إِلَّا خَيْرًا، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَهِىَ الَّتِى كَانَتْ
(١) الريم: الزوال من المكان. (انظر: النهاية، مادة: ريم).(٢) البرحاء: شدّة الكرب من ثِقَل الوحي. (انظر: النهاية، مادة: برح).(٣) التحدر: النزول والتقاطر. (انظر: النهاية، مادة: حدر).(٤) الجمان: جمع: جمانة، وهو: اللؤلؤ الصغار، أو حب يتخذ من الفضة أمثال اللؤلؤ. (انظر: النهاية، مادة: بهن).(٥) كذا في الأصل، والقياس: "الشاتي".(٦) التسرية: الكشف والإزالة. (انظر: النهاية، مادة: سرى).(٧) الحماية: المنع. (انظر: النهاية، مادة: حما).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute