قال تعالى:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}[الفاتحة: ١].
[٤] قال الحسين بن الفضل: (الرَّحمنُ: الذي يرحمُ ويقدرُ على كشف الضُّرِّ ودفع الشَّرِّ، والرحيم: الذي يرقُّ، وربَّما لا يقدر على الكشف).
الكشف والبيان للثعلبي ١/ ٤٦٣ (١).
الدِّراسة
قول الحسين ـ رحمه الله ـ:" الرَّحمن: الذي يرحم ويقدر على كشف الضُّر ودفع الشر" لا يمكن أن يُقال هذا إلا في حقِّه ـ سبحانه ـ، لأنه القادر وحده ـ إذا رحم ـ أن يكشف الضُّرَّ ويدفع الشر، والرحمن اسمٌ مختصٌّ له ـ سبحانه ـ لا يجوز أن يُسمَّى به غيرُه. وأمَّا الرَّحيم (فتأتي بمعنى الرَّاحم، وتأتي بمعنى المرحوم.)(٢).
و (الرَّحمة: الرِّقَّة والتَّعطُّف)(٣)، فلله ـ سبحانه ـ رحمةٌ تليق بجلاله وكماله، وللخلق رحمةٌ تناسب عجزهم، إذ الخلق يَرِقُّون ولكنَّهم قد لا يستطيعون كشف الضُّر عن المرحوم، ألا ترى قوله تعالى:{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}[التوبة: ١٢٨] فأضاف سبحانه الرحيم لرسوله -صلى الله عليه وسلم- وهو الذي يرحم أمته ولكن ليس بيده هدايتهم.
وأمَّا الجمع بين الرَّحمن والرَّحيم، قال ابن القيم:" فالرَّحمن: دالُّ على الصِّفة القائمة به ـ سبحانه ـ، والرَّحيم: دالُّ على تعلُّقها بالمرحوم، فكان الأوَّل للوصف، والثَّاني للفعل، فالأوَّل دالُّ على أنَّ الرَّحمة صفته، والثاني دالُّ على أنه يرحم خلقه برحمته. وإذا أردت هذا، فتأمل قوله:{وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا}[الأحزاب: ٤٣]{إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}[التوبة: ١١٧]، ولم يجئ قط رحمنٌ بهم، فَعُلم أنَّ "رحمن" هو الموصوف بالرَّحمة، "ورحيمٌ" هو الرَّاحم برحمته"(٤).
(١) ت: خالد العنزي، ج: أم القرى. (٢) ينظر: الصحاح لإسماعيل بن حماد الجوهري، (رحم) (٣) الصحاح للجوهري (رحم)، وينظر: مختار الصحاح لأبي بكر الرازي (رحم) ولسان العرب لابن منظور (رحم) وتاج العروس من جواهر القاموس لمحمد مرتضى الزبيدي (رحم) (٤) بدائع الفوائد لابن القيم ١/ ٢٤.