للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فأراد المؤلف أن يخص النوع الثاني، وهو توحيد العبادة، إذ كان فاشيًا في زمنه مظاهر الشرك المتنوعة؛ في الأقوال، وفي الأفعال؛ من دعاء غير الله، والذبح لغير الله، وطلب الشفاعة من غير الله، إلى غير ذلك، ووجد من أهل الأهواء، والبدع، والخرافة، من يحتج لها، ويطلق الشبهات المضلة لتسويغها. فأراد المؤلف بهذه الرسالة كشف تلك الشبهات وتزييفها.

قوله: (وهو دين الرسل الذي أرسلهم الله به إلى عباده): بين أن التوحيد ليس دين محمد وحسب، بل هو دين جميع النبيين من أولهم إلى آخرهم.

قوله: (فأولهم نوح : الدليل على أوليته رسولًا في حديث الشفاعة: (فَيَأْتُونَ نُوحًا، فَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ، أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ) (١)، والدليل على أوليته نبيًا، قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ﴾ [النساء: ١٦٣]، فهو أول الأنبياء والمرسلين، ، وبهذا يتبين خطأ بعض المؤرخين الذين يجعلون إدريس، أو شيت، قبل نوح ، لأنه معارض لظاهر الكتاب والسنة.

قوله: (أرسله الله إلى قومه لما غلوا في الصالحين؛ ودًا، وسواعًا، ويغوث، ويعوق، ونسرًا): سبب شرك قوم نوح هو الغلو في الصالحين. وأراد بهم المذكورين في سورة نوح: ﴿وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا﴾ [نوح: ٢٣]، فهؤلاء الخمسة، قد بين ابن عباس أنهم رجال صالحون، قال: (فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ، أَنِ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ أَنْصَابًا،


(١) أخرجه البخاري رقم (٣٣٤٠)، ومسلم رقم (١٩٤).

<<  <   >  >>