للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهذه مسألة طويلة، تَبينُ لك إذا تأملتها في ألسنة الناس، ترى من يعرف الحق ويترك العمل، لخوف نقص دنياه، أو جاهه، أو ملكه، وترى من يعمل به ظاهراً، لا باطناً، فإذا سألته عما يعتقده بقلبه، إذا هو لا يعرفه).

هذه المسألة الأخيرة، التي عظم المؤلف من شأنها، وحُقَّ له، تتعلق بأصل الإيمان. فإن الإيمان قول وعمل؛ له حقيقة مركبة من القول والعمل، فليس الإيمان قولًا دون عمل، ولا عملًا دون قول. هذا مذهب أهل السنة والجماعة، حتى قال الإمام البخاري: لَقِيتُ أَكْثَرَ مِنَ أَلْفِ رَجُلٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِالْأَمْصَارِ؛ فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْهُمْ يَخْتَلِفُ فِي أَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، وَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ (١).

فحد الإيمان يشمل اعتقاد القلب، وقول اللسان، وعمل الجوارح. وقول القلب مستلزم لقول اللسان وعمل الجوارح، لا ينفك عنه. والتوحيد هو أس الإيمان وأصله، فلو زعم زاعم أنه موحد بقلبه، لكن لا شأن للقول ولا للعمل بذلك، فدعواه باطله. وهذا مذهب غلاة المرجئة، من الجهمية، والصالحية، ومن وافقهم. بل التوحيد يتعلق باعتقاد القلب، وقول اللسان، وعمل الجوارح. ولا يمكن قصر معنى التوحيد على ما يقوم بالقلب، إذ لو كان كذلك لكان فرعون وإبليس، ومشركو العرب، وأهل الكتاب، موحدين:

- ففرعون وملؤه: كان مستيقنين بقلوبهم، كما أخبر تعالى:


(١) فتح الباري لابن حجر (١/ ٤٧).

<<  <   >  >>