للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:
مسار الصفحة الحالية:

بلاد بها أهلي ولهوي ومولدي … جرت لي طيور السعد فيها الأيامن

إذا برقت نحو «البلاد» غمامة … دعا الشوق مني برقها المتيامن

وما إن خرجنا رغبة عن بلادنا … ولكنه ما قدر الله كائن

نعم، هي بغداد «أم الدنيا وسيدة البلاد» (١)، تلك المدينة الناعمة الدافئة التي امتحنت منذ نشأتها الأولى بالجمال والغنى والعافية، والتي ما برحت أنموذجا دائما للعبرة عما تعانيه الثقافة من هجمات جاهلية؛ تروم طمس كل نور تشعه أمثال هذه المنارات العظيمة.

وقد كانت هذه المدينة الراسخة القدم في العراقة، الثابتة الأصل في الحضارة، تنفض وعثاء الزيف عن مرآتها كلما عكرت صفوها النائبات، لتنهض كالشمس كرة بعد كرة، فتكون - كما اختار الله تعالى لها ولأخواتها من حواضر العالم الإسلامي - قبلة لرواد المعرفة وحجاج العلم.

وقد ننسى - وللأسف - هذه الروح الصامدة الصامتة التي تتمتع بها بلدان العالم الإسلامي عموما، وحواضره مراكز العلم والمعرفة خصوصا، تلك الروح التي جعلت من هذه الحواضر مضغة عصية على المضغ بين فكي المحن على شراسة تكالبها عليها؛ ننسى هذا في مقابل ما تركز عليه من حلكة الظلام الزائف الذي تزوره في عيوننا غيمة رعناء، تهب تارة من الشرق - كما حل ببغداد قديما - أو سحابة خاوية تتمطى على حدود آفاقنا من الغرب - كما حل ببغداد حديثا - ويأبى الحق إلا


(١) وصفها بذلك ياقوت في «معجم البلدان» ١/ ٤٥٦.

<<  <   >  >>