الثالثة: اليقين لا يرتفع بشك، وإيضاحه: وجوب استصحاب حكم الأمر المتيقن إذا طرأ الشك في حصول ضده المضاد حكمه لحكمه، ومن فروعها: من يشك هل صلى أربعًا أو ثلاثًا فإنه يبني على اليقين. وقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "شاهداك أو يمينه"(١) لأن براءةَ الذمة مقطوع بها أصلًا وعمارتها مشكوك فيها.
وما ذهب إليه مالك من نقض الوضوء بالشك في الحَدَث في أحد قوليه، فوجهه عنده: أنه شكٌّ في الشرط الذي هو الطهارة والأصل عدم الشرط، فالحَدَث عنده متيقن أوَّلًا فلا يخرج عن تيقنه إلا بتيقّن الطهارة ابتداءً ودوامًا، وغيره من العلماء يقولون: الطهارة متيَقَّنةٌ فلا يرفع ذلك اليقين بالحدث المشكوك فيه، وهو أحد القولين عن مالك وعليه ابن عرفة.
قلت: ويظهر لي أنه أصوب من وجهين؛ الأول: أن الطهارة حصلت يقينًا ولا وجه لرفع اليقين بالشك. الثاني: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- صرح بعدم نقض الوضوء بالشك في الحَدَث حيث قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فلا يخرج حتى يسمع صوتًا أو يشمَّ ريحًا"(٢). وهذا النصُّ هو دليل العلماء على هذه القاعدة.
الرابعة: العادة مُحَكَّمة، كاتباع العوائد في معاملات الناس وأَيْمانهم وطلاقهم ونحو ذلك. واستدلوا بقوله تعالى:{وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ}[الأعراف/ ١٩٩]، ولا يخلو هذا الاستدلال عندي من بُعْدٍ.
(١) أخرجه مسلم رقم (١٣٨) من حديث ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-. (٢) أخرجه البخاري رقم (١٣٧)، ومسلم رقم (٣٦١) من حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-.