اللفظ صالِحٌ للكلِّ ومتناولٌ له، والنهي عن الشيء يوجبُ الاِنتهاءَ عن جَميعِ أنواعه، فحمل اللفْظ على بعض أنواع الفسوقِ تحكُّم من غير دليل. انتهى.
قال ابن عباس وغيره: الجِدَالُ هنا: أن تماري مسلماً «١» .
وقال مالك، وابن زَيْد: الجدالُ هنا أن يَخْتَلفَ الناسُ أيهم صادَفَ موقفَ إِبراهيمَ- عليه السلام- كما كانوا يفعلون في الجاهلية «٢» ، قُلْتُ: ومعنى الآية: فلا تَرْفُثُوا، ولا تفسُقُوا، ولا تجادلُوا كقوله صلّى الله عليه وسلم:«وَالصَّوْمُ جُنَّةٌ، فَإِذَا كَانَ صَوْمُ أَحَدِكُمْ، فَلاَ يرفث، ولا يصحب، فَإِنْ شَاتَمَهُ أَحَدٌ، أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ إِنِّي امرؤ صَائِمٌ ... »«٣» الحديث. انتهى.
قال ابن العربيِّ في «أحكامه»«٤» : قوله تعالى: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ، أراد نفيه مشروعاً، لا موجوداً، فإِنا نجد الرفَثَ فيه، ونشاهده، وخبَرُ اللَّه سبحانه لا يَقَعُ بخلافِ مخبره. انتهى.
قال الفَخْر «٥» : قال القَفَّال: ويدُخُل في هذا النهْيِ ما وقع من بعضهم من مجادلة النبيّ صلّى الله عليه وسلم حين أمرهم بفَسْخِ الحَجِّ إِلى العمرة، فشَقَّ عليهم ذلك، وقالوا:«أنروحُ إلى منى، ومَذَاكِيرُنَا تَقْطُرُ مَنِيًّا ... » الحديث. انتهى.
وقوله تعالى: وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ: المعنى: فيثيب عليه، وفي هذا تحضيضٌ على فعل الخير.
ت: وروى أُسَامَةُ بنُ زيدٍ عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ صُنِعَ إِليْهِ مَعْرُوفٌ، فَقَالَ لِفَاعِلِهِ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْراً، فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ» رواه الترمذيُّ، والنَّسائي، وابنُ حِبَّانَ في «صحيحه» بهذا اللفظ «٦» . انتهى من «السلاح» ونحو هذا جوابه صلّى الله عليه وسلم للمهاجرين حيث
(١) أخرجه الطبري (٢/ ٢٨٣- ٢٨٤) ، رقم (٣٦٧٤- ٣٦٧٥- ٣٦٨١- ٣٦٩٥- ٣٦٩٦) ، وذكره ابن عطية (١/ ٢٧٣) ، والسيوطي (١/ ٣٩٥- ٣٩٦) وعزاه إلى وكيع، وسفيان بن عيينة، والفريابي، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وأبي يعلى، وابن جرير، وابن أبي حاتم. (٢) أخرجه الطبري (٢/ ٢٨٦) رقم (٣٧٠٦) ، وذكره البغوي في «معالم التنزيل» (١/ ١٧٣) ، وابن عطية (١/ ٢٧٣) عن مالك، وابن زيد، وذكره السيوطي (١/ ٣٩٧) ، وعزاه لابن جرير عن ابن زيد. (٣) تقدم تخريجه. (٤) ينظر: «الأحكام» (١/ ١٣٤) . (٥) «التفسير الكبير» (١/ ١٤١) . [.....] (٦) أخرجه الترمذي (٤/ ٣٨٠) كتاب «البر والصلة» ، باب ما جاء في المتتبع بما لم يعطه، حديث (٢٠٣٤) ، والنسائي في «الكبرى» (٦/ ٥٣) ، كتاب «عمل اليوم والليلة» ، باب ما يقول لمن صنع إليه معروفا، -