فعنفهم اللَّه تعالى على كذبهم، وفي كتبهم خلافُ ما قالوا.
وفي قوله تعالى: وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ تنبيه لأمة محمّد صلّى الله عليه وسلم على ملازمة القُرْآن، والوقوف عند حدوده، والكتَابُ الذي يتلونه، قيل: هو التوراةُ والإِنجيل، فالألف واللام للْجِنْسِ، وقيل: التوراةِ لأن النصارى تمتثلُها.
وقوله تعالى: كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ يعني: كفار العَرَبِ لأنهم لا كتابَ لهم، فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ... الآية، أي: فيثيب من كان على شيءٍ، ويعاقب من كان على غَيْر شيء، وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ ... الآيةَ، أي: لا أحد أظلم من هؤلاء، قال ابنُ عَبَّاس وغيره: المراد النصارَى الذين كانِوا يؤذون من يصلِّي ببَيْت المَقْدِسِ «١» ، وقال ابن زَيْد: المراد كُفَّار قريش حين صدّوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن المسجِدِ الحرامِ «٢» ، وهذه الآية تتناوَلُ كلَّ من منع من مسجد إِلى يوم القيامة.
وقوله سبحانه: أُولئِكَ مَا كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ ... الايةَ: فمن جعل الآية في النصارى، روى أنَّه مَرَّ زمَنٌ بعْد ذلك لا يدخل نصرانيٌّ بيْتَ المَقْدِس إِلا أوجع ضرباً، قاله قتادةُ والسُّدِّيُّ «٣» ، ومن جعلها في قريش، قال: كذلك نودي بأمر النبيِّ صلّى الله عليه وسلم أَلاَّ يَحُجَّ مُشْرِكٌ، وَأَلاَّ يَطُوفَ بِالبَيْتِ عُرْيَانٌ «٤» وفَأَيْنَما «٥» شرط، وتُوَلُّوا جزم به،
(١) أخرجه الطبري (١/ ٥٤٤) برقم (١٨٢٢) بلفظ: «إنهم النصارى» ، وذكره ابن عطية الأندلسي في «تفسيره» (١/ ١٩٩) ، والسيوطي في «الدر» (١/ ٢٠٤) ، وعزاه لابن جرير، ولفظه السيوطي: «هم النصارى» . (٢) أخرجه الطبري (١/ ٥٤٦) برقم (١٨٢٨) وذكره ابن كثير (١/ ١٥٦) ورجح قول ابن زيد. وذكره ابن عطية في «تفسيره» (١/ ١٩٩) ، والبغوي في «تفسيره» (١/ ١٠٧) ، ولفظه «نزلت في مشركي مكة، وأراد بالمساجد المسجد الحرام، منعوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأصحابه من حجه والصلاة فيه عام الحديبية» ، وذكره السيوطي في «الدر» (١/ ٢٠٤) ، وعزاه لابن جرير. (٣) أخرجه الطبري (١/ ٥٤٧) برقم (١٨٢٩) عن قتادة وبرقم (١٨٣١) عن السدي. وذكره ابن عطية في تفسيره (١/ ١٩٩) عن قتادة والسدي. (٤) أخرجه البخاري (٣/ ٤٨٣) ، كتاب «الحج» ، باب لا يطوف بالبيت عريان، الحديث (١٦٢٢) ، ومسلم (٢/ ٩٨٢) ، كتاب «الحج» ، باب لا يحج البيت مشرك، الحديث (٤٣٥/ ١٣٤٧) واللفظ له، من حديث أبي هريرة قال: «بعثني أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) ، في الحجّة التي أمره عليها رسول الله صلّى الله عليه وسلم، قبل حجة الوداع في رهط يؤذنون في الناس يوم النحر: «لا يحجّ بعد العام مُشْرِكٌ، ولا يطوف بالبيت عريان» . (٥) «أين» هنا اسم شرط بمعنى «إن» و «ما» مزيدة عليها «وتولوا» مجزوم بها وزيادة «ما» ليست لازمة لها بدليل قوله: -