وعلى هذا نقول: إنَّ علم ما تغيض الأرحام هو مِن الغيب المقصور علمُه على الله تعالى -كما دَلَّ عليه الحديث- أمَّا العِلم المتعلقُّ بازديادِ الأرحام بالأجنَّة، فهو مِن عالم الشَّهادة؛ وعلمُ الله فيه علمُ إحاطةٍ وشمول.
الَّذي يؤكِّد لنا هذا المعنى الآيةُ الَّتي تتلوها مباشرةً، أعني قوله تعالى:{عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ}[الرعد: ٩].
ففيها إشارة إلى أنَّ الآية السَّابقة تَضَمَّنت جزءً مِن عالمِ الغيبِ: وهو غيضُ الأرحام، وجزء متعلِّق بعالم الشَّهادة: وهو علم الله المحيط الشَّامل لأحوالِ وصفاتِ حملِ كلِّ أنثى، وما تزداد به أرحامهنَّ.
فما المقصود إذن بغَيْضِ الأرحام؟
يدور لفظ (الغَيْض) في لغةِ العَربِ على معنى: النَّقصِ، والغَور، والذَّهابِ، والنُّضوبِ، يُقال: غاضَ الماء غَيضًا ومَغاضًا: إذا قَلَّ ونَقص، أو غار فَذَهب، أو قلَّ ونَضَب، أو نَزَل في الأرض وغاب فيها، وغاضت الدرَّة: احتبس لبنُها ونقص (١).
وعلى هذه المعاني دارَ تفسير أهل العلم لغَيْضِ الأرحام في الآية، فجعلوه على معنيين:
الأوَّل: أنَّه الدَّم النَّازل على المرأة الحامل.
والثَّاني -وهو لازم للأوَّل-: أنَّه السَّقط النَّاقص للأجِنَّة قبل تمام خلقها (٢).
يقول الرَّاغب الأصفهاني:«وما تَغيض الأرحام: أي تفسِدُه الأرحام، فتجعله كالماءِ الَّذي تبتلعُه الأرض»(٣).
يتبيَّن بهذا أنَّ السَّقط المفسِّر للغَيْضِ المرادِ في كلام علماء اللُّغة والتَّفسير هو: الجنين السَّاقط مِن بطنِ أمِّه قبل اكتمال خلقه، أو هو الجنين الَّذي يهلك في
(١) انظر «لسان العرب» (٧/ ٢٠١)، و «المعجم الوسيط» (٢/ ٦٦٨). (٢) وهو قول ابن عباس وقتادة والضحاك والحسن البصري وغيرهم، انظر «جامع البيان» للطبري (١٣/ ٤٤٥)، و «الدر ا لمنثور» للسيوطي (٤/ ٦٠٨). (٣) «المفردات في غريب القرآن» للأصفهاني (ص/٦١٩).