معاني بعضِها تَضادٌّ، فالسَّبيل أن تُأوَّلَ على وجه التَّوفيق بينها، ونفيِ التَّضاد والاختلاف عنها» (١).
وقالوا: القطعُ في حديث أبي ذرٍّ وأبي هريرة ليس المَقصد به إبطالَ الصَّلاة مِن أصلِها، حتَّى يكون فيها وجوب الإعادة؛ يؤيِّده: أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم لمَّا سَأله الرَّاوي عن الحكمةِ في الأسودِ من الكلاب، قال: لأنَّه شيطان، «وقد عُلِم أنَّ الشَّيطان لو مَرَّ بين يَدَي المُصلِّي لم تَفسُد صَلاتُه»(٢).
فهذا ابن عبَّاس رضي الله عنه -وهو أحدُ رُواةِ قطعِ الصَّلاة بالأمورِ الثَّلاثة (٣) - لم يحمِله على ظاهرِه مِن بُطلانِ الصَّلاةِ، ولكنْ على الكراهِية، فقد قيل له:«أيَقطَع الصَّلاةَ المرأةُ، والكلبُ، والحمارُ؟ قال:{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}[فاطر: ١٠]، فما يقطعُ هذا؟! ولكن يُكْرَه»(٤).
فلأجل أصالة هذا المَسلك من التَّأويل وأَوْلَوِيَّتِه في الجمعِ بين النُّصوصِ، قال الجمهور: إنَّ في حديث عائشة وابن عبَّاس المُتَقَدِّمين نفيَ القطعِ الَّذي هو بمعنى إفسادِ الصَّلاة، والمنع مِن التَّمادي فيها، أمَّا حديث أبي ذرٍ وأبي هريرة: ففيهما إثباتٌ للقطعِ على معنى آخر غير إفسادِ الصَّلاة (٥).
واختلفت مآخذهم على أيِّ معنى يُحمَل هذا القطعِ:
فمنهم مَن حَمله على معنى المبالغةِ في الخوفِ على فسادِها بالشُّغلِ بتلك الأمور الثَّلاثة: كما تقول للمادِح: «قطعتَ عُنقَ أخيك»، أي:«فعلتَ به فِعلًا يُخاف عليه هلاكُه منه، كمَن قَطع عُنقَه»(٦).
(١) «المُيسَّر في شرح مصابيح السُّنة» للتوربشتي (١/ ٢٢٨). (٢) «فتح الباري» لابن حجر (١/ ٥٨٩). (٣) أخرجه أبو داود (ك: الصلاة، باب: ما يقطع الصلاة، رقم: ٧٠٣)، وابن ماجه (ك: غقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما يقطع الصلاة، رقم: ٩٤٩)، وصحَّحه النووي في «المجموع» (٣/ ٢٥٠). (٤) أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (ك: صلاة التطوع، باب: لا تقطع المرأة الصلاة، رقم: ٨٧٦٠)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (١/ ٤٥٩)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (ك: الصلاة، باب: الدليل على أن مرور الكلب وغيره بين يديه لا يفسد الصلاة، رقم: ٣٥١٤). (٥) انظر «المنتقى» للباجي (١/ ٢٧٧). (٦) «إكمال المعلم» للقاضي عياض (٢/ ٤٢٤).