الدلالة عند التَّرجيح بينهما؛ فهذا الحديث خبر آحاد، ومثله حديث أبي هريرة عند مسلم:«استأذنت ربِّي أنْ أزور أمِّي فأذِن لي، واستأذنته أن أستغفر لها فلم يأذن لي»، ولكن أخبار الآحاد ظنيَّة المتن، فلا يُردُّ بها نصٌّ قرآنيُّ قطعيُّ المتن، وهو قوله تعالى:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً}؛ أي: ولا مُثيبين.
وهذا النصُّ قطعيُّ الدَّلالة، لا يحتمل غير ما يدلُّ عليه لفظهُ بالمطابقة، بخلاف حديث:«إنَّ أبي وأباك في النَّار»؛ فإنَّه ظنيُّ الدَّلالة؛ يحتمل أنَّه يَعني بقوله:«إنَّ أبي» عمَّهُ أبا طالب؛ لأنَّ العرب تسمي العَمَّ: أبًا، وجاء بذلك الاستعمالِ كتابُ الله العزيز .. والتَّحقيق في أَبَوي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنَّهما مِن أهلِ الفترةِ .. » (١).
ثمَّ شرع في نفيِ عذابِ أهل الفترة بإطلاق، وسيأتي تفصيلُه.
فأمَّا (محمَّد الغزالي)؛ فكان الأجرأَ على الحَطِّ من الحديث، فعابَ -كعادته- على مَن تواردوا على قَبولِه قلَّةَ فقههِم في الدِّين! بل سوءَ أدَبِهم مع المقَام النَّبويِّ!
فتراه يقول:«قد سمعتُ بأُذني مَن يقول: الحديث صحيح، وهو يخصِّص عموم الآية، فأهل الفترة ناجون جميعًا -عَدَا عبد الله بن عبد المطلب .. ! - قلتُ له: ماذا فَعلَ حتَّى يستحقَّ وحده النَّار؟ كان عبد الله شابًا شريفًا عفيفًا حكى عنه التَّاريخ ما يَزينه! ولم يحك عنه ما يَشينه! والآية خَبر لا يتحمَّل استثناءً»(٢).
وقال: «رأيتُ نَفرًا مِن هؤلاء يَغشون المجامعَ مُذكِّرين بحديثِ أنَّ أبا الرَّسول صلى الله عليه وسلم في النَّار! وشعرتُ بالاشمئزاز مِن استطالتِهم وسوءِ خُلقهم!
قالوا لي: كأنَّك تعترض ما نقول؟ قلت ساخرًا: هناك حديث آخر يقول: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً}، فاختاروا أَحَد الَحديثين .. قال أذكاهم بعد هنيَّة: هذه آية لاحديث! قلتُ: نَعم جعلتُها حديثًا لتهتمُّوا بها، فأنتم قلَّما تفقهون
(١) «مجالس مع فضيلة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي» لأحمد المحضري (ص/٤١). (٢) «السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث» (ص/١٤٥).