يقول ابن العَطَّار (١): «إثباتُ عذاب القبر هو مَذهب أهل السُّنة، وهو ممَّا يجب اعتقاد حقيقتِه، وهو ممَّا نقلته الأمَّة متواترًا»(٢).
وقال ابن عبد البرِّ:«ليس مِن أئمَّة المسلمين وفقهائهم، وحمَلَة الآثار منهم مِن الصَّحابة والتَّابعين ومَنْ بعدهم: أحدٌ يُنكِرُ فتنةَ القَبْر، فلا وجْهَ للاشتغالِ بأقاويلِ أهل البِدَع والأهواءِ المُضِلَّةِ»(٣).
ويقول ابن القطَّان الفاسيُّ:«أجمع أهل الإسلام مِن أهل السُّنة على أنَّ عذاب القبر حقٌّ، وعلى أنَّ مُنكرًا ونكيرًا مَلَكيْ القبر حقٌّ، وعلى أنَّ النَّاس يُفتنون في قبورهم بعدما يُحيون فيها .. »(٤).
حتَّى المعتزلة -مُراغِمو السُّنَنِ بالعَقليَّات- مُجمِعون على الإقرارِ بعذابِ القبرِ إلَّا النَّادر! ترى إقرارهم في ما نصَّ عليه مُقدَّمُهم عبد الجبَّار الهمدانيُّ (ت ٤١٥ هـ) بقولِه: «فصلٌ في عذاب القبر: وجملة ذلك أنَّه لا خلاف فيه بين الأمَّة، إلَّا شيء يُنقَل عن ضرار بن عمرو (٥)، وكان مِن أصحاب المعتزلة، ثمَّ التحقَ بالمُجبِّرة، ولهذا ترى ابن الرَّاوندي يُشنِّع علينا، ويقول: إنَّ المعتزلة يُنكرون عذابَ القبر، ولا يقرُّون به! .. » (٦).
(١) هو علي بن إبراهيم بن داود، علاء الدين، أبو الحسن العطَّار الدمشقي الشَّافِعي، إمام حافظٌ زاهد، تتلمذ على النَّووي وتخرَّج به، من تآليفه «تحفة الطالبين في ترجمة الإمام النَّووي»، و «حكم صوم رجب وشعبان»، توفي سنة (٧٢٤ هـ)، انظر «معجم الشيوخ الكبير» للذهبي (٢/ ٧)، و «الأعلام» للزركلي (٤/ ٢٥١). (٢) «العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام» لابن العطار (١/ ١٣٩)، وانظر الحكم على أحاديث عذاب القبر ونعيمه بالتواتر: عند ابن القيم في «الروح» (ص/٥٢)، والسيوطي في «شرح الصدور» (ص/١٢١)، والكتاني في «نظم المتناثر» (ص/١٢٣). (٣) «الأجوبة عن المسائل المستغربة» (ص/١٨٩). (٤) «الإقناع في مسائل الإجماع» (١/ ٥١). (٥) ضرار بن عمرو الغطفاني: قاض من كبار المعتزلة، طَمَع برياستهم في بلده، فلم يدركها، فخالفهم، فكفَّروه وطَردوه؛ وصنَّف نحو ثلاثين كتابًا، بعضها في الرَّد عليهم وعلى الخوارج، وفيها ما هو مَقالات خبيثة، قال الجشمي: ومَن عدَّه من المعتزلة فقد أخطأ، لأنَّا نتبرَّأ منه فهو من المُجبِرة، توفي (٢٢١ هـ) انظر «تاريخ الإسلام» (٥/ ٧٣٨). (٦) «شرح الأصول الخمسة» (ص/٧٣٠).