وأمَّا ما اعترض به المُخالف في شُبهته الثَّانية: مِن زعمِه أنَّ القرآن يخلو مِن ذكر هذه العقيدة في رجوعِ عيسى عليه السلام؛ فجواب ذلك:
أنَّ عدم علمِ المخالف بدلائلِ ذلك في القرآن، لا يدلُّ على انتفاءها حقيقةً، فالحقُّ أنَّ في كتاب ربِّنا تعالى مِن الشَّواهد على نزولِ المسيح عليه السلام ما يُذهِب عنه غُمَّة الجهل بذلك (١)، وهي كالتَّالي:
فقوله تعالى الآخَرُ الَّذي في سورة آل عمران:{وَرَافِعُكَ إِلَيَّ}[آل عمران: ٥٥]، مع قوله ذاك في آية النِّساء السَّابقة:{بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ}: نَصٌّ على إثباتِ رفعِه عليه السلام رفعًا حِسِّيًا.
فإن قيل: لِمَ لا يُحمَل الرَّفعُ هنا على رفعِ المكانةِ والحَظوة، والقرآن قد أتى بمثلِه؟ كما في قول جلَّ وعلا:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}[المجادلة: ١١]؛ وعلى هذا فدعوى النَّصِيَّة والقطْع على أنَّ المُراد بالرَّفعِ هنا الرَّفع الحسِّيُّ فيها نظر!
فجواب ذلك: أنَّ احتمالَ تأرجُحِ (الرَّفع) في كتابِ الله بين رفع المكانة والمنزلة وبين الرَّفع الحسِّي لا يُنكَر بالنَّظر إلى ذاتِ الوَضعِ؛ فحينئذٍ تُلتَمَس القرائن الَّتي تُبِينُ عن المُراد (بالرَّفع) في الآية.
يقول ابن تيميَّة:«لفظُ التَّوفِّي لا يَقتضي تَوفِّي الرُّوح دون البَدن، ولا توفِّيهما جميعًا؛ إلَاّ بقَرنية مُنفصلةٍ»(٢).