وفِي هَذا الحَدِيثِ بَيَان لِفَضْلِ المَدِينَةِ عَلَى سَائِرِ البُلْدَانِ كُلِّهَا، وعَلَى المُسْلِمِ نَصِيحَةُ المُسْلِمِ إذا شَاوَرَهُ، وقَدْ قالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الدِّينُ النَّصِيحَةُ"(٣).
* قَوْلُ الأَعْرَابِيِّ للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: (أَقِلْنِي بَيْعَتِي)[٣٣٠٦] , يَعْنِي: أَقِلْنِي مَا بَايَعْتُكَ عَلَيْهِ مِنَ البَقَاءِ مَعَكَ بالمَدِينَةِ وتَرْكِي وَطَنِي، فأَبَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ ذَلِكَ، فَخَرَجَ ذَلِكَ الأَعْرَابِيُّ [عِنْدَ ذَلِكَ مِنَ المَدِينَةِ](٤) عَاصيًا للهِ [جَلَّ وَعَزَّ] ولِرَسُولهِ [- صلى الله عليه وسلم -] وتَرَكَ هِجْرَتِهِ، فقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَئِذٍ:"إنَّمَا المَدِينهُ كَالكِيرِ، تَنْفِي خَبَثَها، ويَنْصَعُ طِيبُهَا"، يَعْنِي: تَنْفِي مَنْ لا خَيْرَ فِيهِ مِنَ النَّاسِ، ويَبْقَى فِيهَا الطَّيِّبُونَ النَّاصِعُونَ، والنَّاصِعُ: هُوَ الشَّيءُ الصَّافِي النَّقِيُّ اللَّوْنِ.
قالَ أَبو عُمَرَ: خُرُوجُ ذَلِكَ الأَعْرَابِيِّ مِنَ المَدِينَةِ (٥) بَعْدَ هِجْرَتهِ إليهَا شَبيهٌ بالرِّدَّةِ، وذَلِكَ أَنَّ بَيْعَةَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لِلنَاسِ في أَوَّلِ قُدُومِهِ إلى المَدِينَةِ كَانَتْ عَلَى أَنْ لا يَخْرُجُ أَحَدٌ عَنْهَا، فَمَنْ خَرَجَ عَنْهَا كَانَ عَاصيًا للهِ وَرَسُولهِ.
(١) نقله ابن أبي زيد في الجامع ص ١٦٧. (٢) في (ق): وشدة الكسب. (٣) رواه مسلم (٥٥) من حديث تميم بن أوس الداري. (٤) من (ق). (٥) إلى هنا انتهت نسخة (ق) في هذا الموضع.