هذه الأحاديث بالأسانيد الصحيحة غير مخرّجة في كتابي الإمامين البخاري ومسلم ﵄، لزم صاحب الحديث التنقير عن علته، ومذاكرة أهل المعرفة به لتظهر علّته» (١).
ونقل ابن أبي حاتم عن محمود بن إبراهيم بن سميع، أنَّه قال: سمعت أحمد ابن صالح (٢) يقول: «معرفة الحديث بمنزلة معرفة الذهب والشَّبَه، فإنَّ الجوهر إنَّما يعرفه أهله، وليس للبصير فيه حجة إذا قيل له: كيف قلت: إنَّ هذا بائن؟! يعني: الجيد أو الرديء»(٣) لذا فإنَّ وجود العارفين في فن العلل بين العلماء عزيز، قال ابن رجب:«وقد ذكرنا … شرف علم العلل و عزته، وأنَّ أهله المتحققين به أفراد يسيرة من بين الحفاظ وأهل الحديث، وقد قال أبو عبد الله بن منده الحافظ: إنما خص الله بمعرفة هذه الأخبار نفراً يسيراً من كثير ممن يدّعي علم الحديث»(٤).
وقال الحافظ ابن حجر:«وهو من أغمض أنواع علوم الحديث و أدقها، ولا يقوم به إلا من رزقه الله تعالى فهماً ثاقباً، وحفظاً واسعاً، ومعرفة تامة بمراتب الرواة، وملكة قوية بالأسانيد والمتون؛ ولهذا لم يتكلم فيه إلا قليل من أهل هذا الشأن: كعلي بن المديني، وأحمد بن حنبل، والبخاري، ويعقوب ابن شيبة، وأبي حاتم، وأبي زرعة، والدارقطني … »(٥).
وليس يلزم كشف العلة لأول وهلة ولا لثانيها ولا ولا .. يقول الخطيب:«فمن الأحاديث ما تخفى علته، فلا يوقف عليها إلا بعد النظر الشديد، ومُضِيِّ الزمن البعيد»(٦). وأسند عن علي بن المديني، قال:
(١) " معرفة علوم الحديث ": ٥٩ - ٦٠ ط. العلمية وعقب (١٠٣) ط. ابن حزم. (٢) وهو أبو جعفر المعروف بابن الطبري ثقة حافظ. " تهذيب التهذيب " ١/ ٤٩، و " التقريب" (٤٨). (٣) " علل الحديث " لابن أبي حاتم ١/ ٣٨٩ - ٣٩٠ ط. الحميّد (المقدمة)، ومن طريقه أخرجه: الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي " (١٧٨٧). (٤) " شرح علل الترمذي " ١/ ٣٣ - ٣٤ ط. عتر و ١/ ٣٣٩ - ٣٤٠ ط. همام. (٥) " نزهة النظر ": ٧٢. (٦) " الجامع لأخلاق الراوي " عقب (١٧٨٨).