ورحم الله الإمام النووي حيث قال:«ومن أهم أنواع العلوم تحقيق معرفة الأحاديث النبويات، أعني: معرفة متونها: صحيحها وحسنها وضعيفها، متصلها ومرسلها ومنقطعها ومعضلها، ومقلوبها، ومشهورها وغريبها وعزيزها، ومتواترها وآحادها وأفرادها، معروفها وشاذها ومنكرها، ومعللها وموضوعها ومدرجها وناسخها ومنسوخها … »(١).
فعلماء الحديث قد اهتموا بالحديث النبوي الشريف عموماً؛ لأنَّه المصدر التشريعي الثاني بعد القرآن الكريم، و قد اهتموا ببيان علل الأحاديث النبوية من حيث الخصوص؛ لأنَّ بمعرفة العلل يعرف كلام النبيِّ ﷺ من غيره، وصحيح الحديث من ضعيفه، وصوابه من خطئه، قيل لعبد الله بن المبارك (٢): هذه الأحاديث المصنوعة؟ قال:«تعيش لها الجهابذة»(٣).
وقد ذكر الحاكم:«أنَّ معرفة علل الحديث من أجَلِّ هذه العلوم»(٤) وقال: «معرفة علل الحديث، وهو علم برأسه غير الصحيح و السقيم، والجرح والتعديل»(٥).
وعلم العلل ممتد من مرحلة النقد الحديثي الذي ابتدأت بواكيره على أيدي كبار الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، حيث كان أبو بكر الصديق وعمر الفاروق ﵄ يحتاطان (٦) في قبول الأخبار، ويطلبان الشهادة على
(١) مقدمة شرحه لصحيح مسلم ١/ ٦. (٢) هو عبد الله بن المبارك المروزي، ثقة ثبت، فقيه عالم، جواد مجاهد جمعت فيه صفات الخير. "التقريب " (٣٥٧٠). (٣) أخرجه: ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " ١/ ٣١١ (المقدمة)، وابن عدي في " الكامل " ١/ ١٩٢، وذكره ابن الجوزي في مقدمة " الموضوعات " ١/ ٤٦ ط. الفكر وعقب (٢٢) ط. أضواء السلف. (٤) " معرفة علوم الحديث ": ١١٩ ط. العلمية و عقب (٢٨٩) ط. ابن حزم. (٥) " معرفة علوم الحديث ": ١١٢ ط. العلمية و قبيل (٢٧٠) ط. ابن حزم. (٦) في احتياط الصحابة، انظر: " السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي " لمصطفى السباعي: ٧٥، وكان علي بن أبي طالب ﵁ يستحلف الراوي أحياناً، فقد روى الإمام أحمد في مسنده ١/ ٢ عن علي، قال: «كنت إذا سمعت من رسول الله ﷺ حديثاً نفعني الله بما شاء منه، وإذا حدثني عنه غيري استحلفته»، قال الحافظ ابن حجر في " تهذيب التهذيب " ١/ ٢٦٧ - ٢٦٨: «هذا حديث جيد الإسناد».