أ - أنه قال ذلك عندما جمع الناس في صلاة التراويح وصلاة التراويح ليست ببدعة، بل هي عين السنة، بدليل ما روته عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى ذات ليلة في المسجد، فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة فكثر الناس، ثم اجتمع من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما أصبح، قال:"قد رأيت الذي صنعتم، ولم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم، وذلك في رمضان"(١).
فبيّن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العلة التي من أجلها ترك الجماعة في صلاة التراويح، فلما رأى عمر - رضي الله عنه - أن العلة قد زالت، والحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، أعاد صلاة التراويح جماعة، فالذي فعله عمر - رضي الله عنه - ليس بدعة وإنما هو عين السنة (٢).
ب - أن المراد بالبدعة في قول عمر - رضي الله عنه - البدعة بالمعنى اللغوي لا بالمعنى الشرعي؛ إذ صلاة التراويح جماعة قد ثبت فعلها في عهده - صلى الله عليه وسلم - كما سبق - فإطلاق لفظ البدعة عليها بمعناه الشرعي لا يصح، ولكن لَمّا كانت قد تركت في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - للعلة المذكورة وفي عهد أبي بكر وصدر عهد عمر - رضي الله عنهما - ثم فعلت بعد صح إطلاق لفظ البدعة عليها بمعناه اللغوي إذ ليس لها مثال سابق (٣).
٣ - أن قول الإمام الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يدل على ما ذهب إليه ابن حجر - غفر الله له - وذلك من وجهين:
أ - أن الإمام الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يمكن أن يقول بتقسيم البدعة بمعناها الشرعي إلى قسمين حسنة وسيئة؛ إذ ذلك معارض لأصوله، ومنها إنكاره
(١) أخرجه البخاري، كتاب التهجد، باب تحريض النبي - صلى الله عليه وسلم - على صلاة الليل (١/ ٣٣٧) برقم (١١٢٩). (٢) انظر: مجموع الفتاوى (٢٢/ ٢٣٤)، اقتضاء الصراط المستقيم (٢/ ٥٨٨، ٥٩١)، جامع العلوم والحكم (٢/ ١٢٨)، الاعتصام (١/ ١٩٤). (٣) انظر: مجموع الفتاوى (١٠/ ٣٧١) (٢٢/ ٢٢٤، ٢٣٤)، اقتضاء الصراط المستقيم (٢/ ٥٨٩ - ٥٩٠)، الاعتصام (١/ ١٩٥)، جامع العلوم والحكم (٢/ ١٢٨).