وهدى الله أهل السّنّة والجماعة لِمَا اختلفوا فيه من الحقّ بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، فقالوا: بأنّ التحسين والتقبيح شرعيّان وعقليّان، والأفعال من حيث هي قد يدرك العقل حسنها وقبحها قبل ورود الشّرع وقد لا يدرك ذلك، إلا أنّ الثّواب والعقاب في الجميع معلّق على ورود الشّرع (١).
يقول العلّامة ابن القيّم - رَحِمَهُ اللهُ -: "الأفعال في نفسها حسنة وقبيحة، كما أنّها نافعة وضارّة، والفرق بينهما كالفرق بين المطعومات والمشمومات والمرئيّات، ولكن لا يترتّب عليهما ثواب ولا عقاب إلا بالأمر والنّهي، وقبل ورود الأمر والنّهي لا يكون قبيحًا موجبًا للعقاب مع قبحه في نفسه، بل هو في غاية القبح، والله تعالى لا يعاقب عليه إلا بعد إرسال الرّسل، فالسّجود للشّيطان والأوثان، والكذب والزّنا، والظّلم والفواحش، كلّها قبيحة في ذاتها، والعقاب عليها مشروط بالشّرع"(٢).
"وقد دلّ القرآن ... أنّه لا عقاب إلا بإرسال الرّسل، وأنّ الفعل نفسه حسن وقبيح، ونحن نبيّن دلالة الأمرين.
وأمّا الأصل الثاني - وهو دلالته على أنّ الفعل في نفسه حسن وقبيح - فكثير جدًّا، كقوله تعالى: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا