وأما ما ذكره عن المعتزلة من إنكارهم ذلك، فهو مبني على قولهم بأن المعجزة والكرامة وخوارق السحر من جنس واحد، ومن ثم قالوا: لو أثبتنا الكرامة لاشتبهت بالمعجزة والتبس أمر النبي بالولي فنفوا الكرامة حتى يسلم لهم دليل النبوة (١).
وقولهم باطل من وجوه، منها:
١ - أن إنكار الكرامة هو بمنزلة إنكار البدهيات، فإن العقل يدل على جوازها، والحس يدل على وقوعها (٢)، وهو ما أشار إليه ابن حجر في كلامه السابق.
٢ - أن إنكار الكرامة مبني على القول بأن المعجزة والكرامة وخوارق السحر من جنس واحد، وهو قول باطل كما سبق (٣).
٣ - أن الكرامة تفارق المعجزة في أمور عديدة فلا يمكن اشتباههما والتباس أصحابهما (٤).
ومراد ابن حجر - رحمه الله - بمن وافق المعتزلة من أصحابه الأشاعرة أبو إسحاق الإسفراييني (٥)، وهو محق في الاعتذار عنه.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "قالت طائفة: لا تخرق العادة إلا لنبي وكذَّبوا بما يُذكَر من خوارق السحرة والكهان، وبكرامات الصالحين.
وهذه طريقة أكثر المعتزلة ... بل يحكى هذا القول عن أبي إسحاق
(١) انظر: المغني (١٥/ ٢٤١ - ٢٤٣)، أعلام النبوة (ص ٦٢)، الكشاف (٤/ ١٥٠). (٢) انظر: كرامات أولياء الله - عز وجل - للالكائي (ص ٧٠)، وما بعدها، النبوات (١/ ١٣٢)، شرح العقيدة الطحاوية (٢/ ٧٥٢)، الإنصاف في حقيقة الأولياء للصنعاني (ص ٦٤)، الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني (٢/ ١٠٦١)، لوامع الأنوار (٢/ ٣٩٤). (٣) انظر: (ص ٤٣٨). (٤) انظر: (ص ٤٧٥). (٥) هو إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران الإسفراييني، أشعري شافعي، من مؤلفاته: جامع الخلي في أصول الدين والرد على الملحدين، توفي سنة ٤١٨ هـ. انظر: سير أعلام النبلاء (١٧/ ٣٥٣)، شذرات الذهب (٣/ ٢٠٩).