وصَفنا- أنَّ الأقوالَ التي قالَها مَنْ ذكَرْنا قولَه في قولِه ﴿لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ﴾ [يوسف: ٩٤]، على اختِلافِ عباراتِهم عن تأويلِه = متقاربةُ المعاني، مُحتمِلٌ جميعَها ظاهِرُ التَّنزيلِ؛ إذْ لم يكُنْ في الآيةِ دليلٌ على أنَّه معنيٌّ به بعضُ ذلك دونَ بعضٍ» (١)، ومثلُه قولُه:«والصَّوابُ مِنْ القَولِ في ذلك أن يُقالَ كما قالَ الله ﷿: ﴿كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٣]. وجائِزٌ أن يكونَ ذلك الفَلَكُ كما قالَ مُجاهدُ: كحديدةِ الرَّحى. وكما ذُكرَ عن الحَسَنِ: كطاحونةِ الرَّحى. وجائِزٌ أن يكونَ: مَوجاً مكفوفاً. وأن يكونَ: قُطبَ السَّماءِ. وذلك أنَّ الفَلَكَ في كلامِ العرَبِ هو: كُلُّ شيءٍ دائِرٍ .. ، وإذْ كانَ كلُّ ما دارَ في كلامِها فلَكاً، ولم يكُنْ في كتابِ الله، ولا في خبرٍ عن رسولِ الله ﷺ، ولا عمَّن يقطعُ قولُه العُذرَ، دليلٌ يدُلُّ على أيِّ ذلك هو مِنْ أيٍّ = كانَ الواجبُ أن نقولَ فيه ما قالَ، ونسكُتَ عمّا لا عِلمَ لنا بِه»(٢).
ثامناً: اعتنى ابنُ جريرٍ (ت: ٣١٠) بنقدِ أقوالِ السَّلفِ عنايةً ظاهِرةً، كما أشارَ إلى ما في بعضِها مِنْ نكارَةٍ أو غرابةٍ، وقد جاءَ ذلك النَّقدُ في صورَتَيْن:
١ - نقدُ متونِ مرويّاتِ السَّلفِ، كما في قولِه بعدَ أن أوردَ قولَ ابنِ عباسٍ ﵁ من طريقِ العَوفيّين- في عِدَّةِ أصحابِ بدرٍ، وأنَّهم كانوا ثلاثَمائة وثلاثةَ عشرَ رجلاً، وكانَ المشركون مِثلَيْهم، حيثُ قالَ: «وهذه
(١) جامع البيان ١٣/ ٣٤١. (٢) جامع البيان ١٦/ ٢٦٦. وينظر: ١٣/ ٤٤٣، ١٤/ ٥٠٩، ١٧/ ٦٢٠.