المطلبُ الرابع: ضوابطُ الاستدلالِ بالقرآن الكريمِ على المعاني ومسائِلُه.
أوَّلاً: القرآنُ قَطعيُّ الثُّبوتِ، لا يُبحَثُ فيه عن جِهةِ ورودِه؛ لتواتُرِ نقلِه، وذلك تصديقُ حفظِه الذي تكفَّلَ الله تعالى به: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحِجر: ٩]، فنُقِلَ إلينا متواتراً، مقروءاً ومكتوباً، كما أنزلَه اللهُ على رسولِه ﷺ، وفي قولِه تعالى ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾ [الأنعام: ١٩] دلالَةٌ على حفظِه مُشافهةً؛ حيثُ دلَّت الآيةُ على أنَّ القرآنَ سيبلُغُ قوماً غيرَ الذين أسمعَهُم النَّبيُّ ﷺ، وله مِنْ الحُجَّةِ عليهم مثلَ ما لَه على مَنْ سمعَه مِنْ النَّبي ﷺ مباشرةً، وذلك طريقُه القطعُ لا الظَّنُّ، وإنَّما يكونُ ذلك حُجَّةً على مَنْ بلغَ مِنْ كافَّةِ الأمَّةِ بنقلِه المتواتِر.
كما أشارَ قولُه تعالى ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾ [البقرة: ٢]-ولم يكُن صارَ حينذاكَ مكتوباً مجموعاً- إلى حفظِه الكِتابيِّ، وذلك ما كانَ مِنْ جمعِه مكتوباً في زمنِ النَّبي ﷺ، وأبي بكرٍ، وعثمانَ ﵃، وانتشارِ نُسَخِه في الآفاقِ (٢). فطابَقَ المكتوبُ المحفوظَ، ولم يختلفا في شيءٍ. قالَ أبو شامة (ت: ٦٦٥): «وحفِظَه في حياتِه ﷺ جماعةٌ مِنْ أصحابِه، وكُلُّ قِطعةٍ