وقد جاوز بعض النقاد فجرح الراوي أو تركه لمثل ذلك، فمن أمثلته:
١ _ قال شعبة بن الحجاج:" لقيت ناجية الذي روى عنه أبو إسحاق، فرأيته يلعب بالشطرنح، فتركته، فلم أكتب عنه، ثم كتبت عن رجل عنه "(١).
قال الخطيب:" ألا ترى أن شعبة في الابتداء جعل لعبه بالشطرنج مما يجرحه، فتركه، ثم استبان له صدقه في الرواية وسلامته من الكبائر، فكتب حديثه نازلاً "(٢).
قلت: ومعروف عن شعبة تشديده في ترك حديث الراوي لشيء رآه منه في غير الحديث، مما يحتمل التأويل أو الخطأ.
عن ورقاء بن عمر، قال: قلت لشعبة: ما لك تركت حديث فلان؟ قال:" رأيته يزن إذا وزن فيرجح في الميزان، فتركت حديثه "، وقلت لشعبة: ما لك تركت حديث فلان؟ قال:" رأيته يركض دابته، فتركت حديثه "(٣).
وكان شعبة يقع في (الخصيب بن جحدر) يقول: " رأيته في الحمام يغير مئزر "(٤).
وقال يحيى القطان: أتى شعبة المنهال بن عمرو، فسمع صوتاً، فتركه، يعني الغناء (٥).
(١) أخرجه الخطيب في " الكفاية " (ص: ١٨٣) بإسناد صحيح. (٢) الكفاية (ص: ١٨٣). (٣) أخرجه ابن حبان في " المجروحين " (١/ ٣٠ وإسناده حسن، وبعضه أخرجه الخطيب في " الكفاية " (ص: ١٨٢). (٤) أخرجه العقيلي في " الضعفاء " (٢/ ٣٠) وإسناده صحيح. (٥) أخرجه ابن عدي في " الكامل " (٨/ ٤١) وإسناده صحيح. وفسَّر أبو حاتم الرازي ذلك الصوت بقوله: " يعني أنه سمع صوْت قراءة بألحان، فكرهَ السماع منه لأجل ذلك " (تقدمة الجرح والتعديل، ص: ١٥٣ ونحوه ص: ١٧٢). والصواب أنه الغِناء أو آلته، فقد أخرج الخطيب في " الكفاية " (ص: ١٨٣) بإسناد صحيح إلى شُعبة، قال: " أتيت منزل المنهال بن عمرو، فسمعت فيه صوت الطنبور، فرجعت "، فقال له وهْب بن جرير: فهلاَّ سألت؟ عسى ألا يعلم هو.