وذلك من أجل ما تقدم من كون الكتاب المتقن حاكماً على مجرد الحفظ , فهو إما شاهد له دال
على إتقانه، وإما كاشف لسوء حفظه، تارة مطلقاً كما تقدم مثاله، وتارة للدلالة على خطئه في الحديث المعين.
قال البخاري:" يروى عن سفيان عن عاصم بن كليب عن عبد الرحمن بن الأسود عن علقمة، قال: قال ابن مسعود: ألا أصلي بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فصلى، ولم يرفع يديه إلا مرة، وقال أحمد بن حنبل: عن يحيى بن آدم: نظرت في كتاب عبد الله بن إدريس عن عاصم بن كليب، ليس فيه: ثم لم يعد ".
قال البخاري:" فهذا أصح؛ لأن الكتاب أحفظ عند أهل العلم؛ لأن الرجل ربما حدث بشيء ثم يرجع إلى الكتاب فيكون كما في الكتاب "(١).
٣ _ اختبار حفظ الراوي بقلب الأحاديث عليه , أو تركيبها له.
عن حماد بن سلمة، قال: كنت أقلب على ثابت البناني حديثه، وكانوا يقولون: القصاص لا يحفظون (٢) , وكنت أقول لحديث أنس: كيف حدثك عبد الرحمن بن أبي ليلى؟ فيقول: لا، إنما حدثناه أنس. وأقول لحديث عبد الرحمن بن أبي ليلى: كيف حدثك أنس؟ فيقول: لا، إنما حدثناه عبد الرحمن بن أبي ليلى " (٣).
قلت: وهذا مثال الحافظ المتقن.
وعن عمرو بن علي، قال: سمعت يحيى بن سعيد يقول: " كنا عند شيخ من أهل مكة أنا وحفص بن غياث، فإذا أبو شيخ جارية بن هرم يكتب
(١) رفع اليدين في الصلاة، للبُخاري (ص: ٧٩ _ ٨٢). (٢) يعني وأن ثابتاً كان يعد من القصَّاص، وهم الوعاظ. (٣) أخرجه الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي " (رقم: ١٥٤) بإسناد صحيح.