٣ - أَمَّا الحَدِيثُ المَذْكُورُ: ((تَوَسَّلُوا بِجَاهِي؛ فَإِنَّ جَاهِي عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ)) فَلَا أَصْلَ لَهُ (١)، وَأَمَّا الأَحَادِيثُ الوَارِدَةُ فِي التَّوَسُّلِ بِهِ ﷺ فَتَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَينِ: صَحِيحٍ وَضَعِيفٍ.
أَمَّا الصَّحِيحُ؛ فَلَا دَلِيلَ فِيهِ البَتَّةَ عَلَى المُدَّعَى، مِثْلُ تَوَسُّلِ الصَّحَابَةِ بِهِ ﷺ فِي الاسْتِسْقَاءِ، وَتَوَسُّلِ الأَعْمَى بِهِ ﷺ؛ فَإِنَّهُ تَوَسُّلٌ بِدُعَائِهِ ﷺ لَا بِجَاهِهِ وَلَا بِذَاتِهِ -كَمَا سَيَأْتِي-.
وَلَمَّا كَانَ التَّوَسُّلُ بِدُعَائِهِ ﷺ بَعْدَ انْتِقَالِهِ إِلَى الرَّفِيقِ الأَعْلَى غَيرَ مُمْكِنٍ كَانَ بِالتَّالِي التَّوَسُّلُ بِهِ ﷺ الآنَ غَيرَ جَائِزٍ.
وَمِمَّا يَدُلُّكَ عَلَى هَذَا؛ أَنَّ الصَّحَابَةَ ﵃ لَمَّا اسْتَسْقَوا فِي زَمَنِ عُمَرَ تَوَسَّلُوا بِعَمِّهِ العَبَّاسِ، وَلَمْ يَتَوَسَّلُوا بِهِ ﷺ! وَمَا ذَلِكَ إِلَّا لِأَنَّهُم يَعْلَمُونَ مَعْنَى التَّوَسُّلِ المَشْرُوعِ -وَهوَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ التَّوَسُّلِ بِدُعَائِهِ ﷺ، وَلِذَلِكَ تَوَسَّلُوا بَعْدَهُ بِدُعَاءِ عَمِّهِ لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ وَمَشْرُوعٌ (٢)، وَكَذَلِكَ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّ أَحَدًا مِنَ العُمْيَانِ تَوَسَّلَ بِدُعَاءِ ذَلِكَ الأَعْمَى -وَسَيَأْتِي حَدِيثُهُ قَرِيبًا-، ذَلِكَ لِأَنَّ السِّرَّ لَيسَ فِي قَولِ الأَعْمَى: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيكَ بِنَبِيِّكَ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ))! وَإِنَّمَا السِّرُّ الأَكْبَرُ هُوَ فِي دُعَائِهِ ﷺ لَهُ كَمَا
(١) قَالَ ابْنُ تَيمِيَّةَ وَالأَلْبَانِيُّ رَحِمَهُمَا اللهُ: "لَا أَصْلَ لَه". اقْتِضَاءُ الصِّرَاطِ المُسْتَقِيمِ، وَالضَّعِيفَةُ (٢٢)، وَتَتِمَّةُ التَّعْلِيقِ مُسْتَفَادٌ مِنَ الضَّعِيفَةِ (٢٢).(٢) وَلَو كَانَ المُرَادُ مِنَ التَّوَسُّلِ هُوَ التَّوَسُّلُ بِالجَاهِ؛ لَكَانَ الأَمْرُ مُمْكِنًا عِنْدَهُم، وَذَلِكَ لِبَقَاءِ جَاهِ النَّبِيِّ ﷺ حَيًّا وَمَيِّتًا، بِخِلَافِ الدُّعَاءِ بَعْدَ مَوتِهِ، وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ مُرَادَهُمُ التَّوَسُّلُ بِالدُّعَاءِ لَا بِالجَاهِ! وَالحَمْدُ للهِ عَلَى تَوفِيقِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute