أَمَّا الشِّرْكُ الأَصْغَرُ فَهُوَ -وَإِنْ كَانَ لَا يُغْفَرُ- فَإِنَّ صَاحِبَهُ يُعَذَّبُ عَلَيهِ بِقَدْرِهِ -لِأَنَّ أَصْلَ التَّوحِيدِ مَعَهُ-؛ فَلَا يُخَلَّدُ فِي النَّارِ -وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ قَرِيبًا-، وَفِي الحَدِيثِ: ((مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؛ نَفَعَتْهُ يَومًا مِنْ دَهْرِهِ، يُصِيبُهُ قَبْلَ ذَلِكَ مَا أَصَابَهُ)) (١).
- فِي الآيَةِ رَدٌّ عَلَى الخَوَارِجِ -المُكَفِّرِينَ بِالذُّنُوبِ-؛ وَعَلَى المُعْتَزِلَةِ القَائِلِينَ بِأَنَّ أَصْحَابَ الكَبَائِرِ يُخَلَّدُونَ فِي النَّارِ؛ وَلَيسُوا عِنْدَهُم بِمُؤْمِنِينَ وَلَا كُفَّارَ! وَذَلِكَ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى جَعَلَ مَا سِوَى الشِّرْكِ تَحْتَ المَشِيئَةِ؛ فَهُوَ قَابِلٌ لِلمَغْفِرَةِ -خِلَافًا لِمَذْهَبِهِم-.
- الصَّنَمُ: هُوَ مَا كَانَ عَلَى صُورَةِ حَيَوَانٍ -أَي: ذِي رُوحٍ-، أَمَّا مَا عُبِدَ وَهُوَ عَلَى غَيرِ صُورَةِ حَيَوَانٍ كَالشَّجَرِ وَالحَجَرِ وَالقَبْرِ فَهَذَا يُسَمَّى وَثَنًا، فَالوَثَنُ أَعَمُّ مِنَ الصَّنَمِ لِأَنَّ الصَّنَمَ لَا يُطْلَقُ إِلَّا عَلَى التِّمْثَالِ، وَأَمَّا الوَثَنُ فَيُطْلَقُ عَلَى التِّمْثَالِ وَغَيرِهِ، فَالقَبْرُ يَكُونُ وَثَنًا إِذَا عُبِدَ، قَالَ ﷺ: ((اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا، لَعَنَ اللهُ قَومًا اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَاءِهِم مَسَاجِدَ)) (٢)، فَالوَثَنُ كُلُّ مَا عُبِدَ مِنْ دُونِ اللهِ عَلَى أَيِّ شَكْلٍ كَانَ (٣).
- فِي دُعَاءِ الخَلِيلِ رَبَّهُ أَنْ يُجَنِّبَهُ وَبَنِيهِ عِبَادَةَ الأَصْنَامِ؛ بَيَانُ عِظَمِ الشِّرْكِ -وَقَدْ
(١) صَحِيحٌ. البَزَّارُ (١٥/ ٦٦) عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ مَرْفُوعًا. صَحِيحُ الجَامِعِ (٦٤٣٤).(٢) صَحِيحٌ. أَحْمَدُ (٧٣٥٨) عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ مَرْفُوعًا. أَحْكَامُ الجَنَائِزِ (ص ٢١٦).(٣) فَالصَّنَمُ مَا كَانَ مَنْحُوتًا عَلَى صُورَةٍ، وَالوَثَنُ مَا كَانَ مَوضُوعًا عَلَى غَيرِ ذَلِكَ. اُنْظُرْ تَفْسِيرَ الطَّبَرِيِّ (١٧/ ١٧).وَقَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ ﵀ فِي التَّفْسِيرِ (٣/ ٥٣٠) -فِي سِيَاقِ الكَلَامِ عَنْ آلِهَةِ المُشْرِكِينَ-: "وَقَولُهُ: ﴿وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ﴾ إِنَّمَا قَالَ: ﴿يَنْظُرُونَ إِلَيكَ﴾ أَي: يُقَابِلُونَكَ بِعُيُونٍ مُصَوَّرَةٍ كَأَنَّهَا نَاظِرَةٌ -وَهِيَ جَمَادٌ-، وَلِهَذَا عَامَلَهُم مُعَامَلَةَ مَنْ يَعْقِلُ؛ لِأَنَّهَا عَلَى صُوَرٍ مُصَوَّرَةٍ كَالإِنْسَانِ، فَقَالَ: ﴿وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيكَ﴾ فَعبَّرَ عَنْهَا بِضَمِيرِ مَنْ يَعْقِلُ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute