يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [الأَنْفَال: ٣٠] (١).
وَأَمَّا قَولُهُ تَعَالَى: ﴿وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ﴾ [الرَّعْدُ: ٤٢] فَمَعْنَاهُ إِحَاطَتُهُ تَعَالَى بِمَكْرِهِم عِلْمًا وَجَزَاءً وَخَلْقًا وَتَقْدِيرًا.
قَالَ البَغَوِيُّ ﵀ فِي التَّفْسِيرِ (٤/ ٣٢٨): "أَي: عِنْدَ اللهِ جَزَاءُ مَكْرِهِمْ، وَقِيلَ: إِنَّ اللهَ خَالِقُ مَكْرِهِمْ جَمِيعًا؛ بِيَدِهِ الخَيرُ وَالشَّرُّ، وَإِلَيهِ النَّفْعُ وَالضُّرُّ؛ فَلَا يَضُرُّ مَكْرُ أَحَدٍ أَحَدًا إِلَّا بِإِذْنِهِ" (٢).
(١) وَمِثْلُهَا أَيضًا صِفَةُ الخِدَاعِ وَالكَيدِ؛ فَهِيَ صِفَاتٌ جَاءَتْ فِي مُقَابَلَةِ صَنِيعِ أَعْدَاءِ الرُّسُلِ، وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى عِلْمِ اللهِ تَعَالَى بِصَنِيعِهِم وَقُدْرَتِهِ سُبْحَانَهُ عَلَيهِم وَإِحَاطَتِهِ بِهِم.أَرَأَيتَ لَو أَنَّ رَجُلًا مُحْتَالًا أَرَادَ خِدَاعَ شَخْصٍ؛ فَعَلِمَ بِذَلِكَ هَذَا الشَّخْصُ وَجَارَاهُ عَلَى خُدْعَتِهِ لِيُوقِعَ بِهِ وَلِيَرُدَّ خُدْعَتَهُ إِلَيهِ وَيُوقِعَهُ فِي شَرِّ عَمَلِهِ؛ هَلْ يَكُونُ هَذَا الخِدَاعُ وَالمَكْرُ مَذْمُومًا؟! فَمَكْرُ الرَّجُلِ الأَوَّلِ هُوَ مِنْ بَابِ قَولِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ﴾ [فَاطِر: ٤٣]، وَأَمَّا مَكْرُ اللهِ تَعَالَى فَهُوَ فِي مُقَابَلَةِ مَكْرِهِم مِنْ حَيثُ لَا يَشْعُرُونَ؛ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى القُوَّةِ وَالعِلْمِ وَالعِزَّةِ وَالمَنَعَةِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [النَّمْل: ٥٠].وَتَأَمَّلْ -بِنَحْوِهِ- قَولَهُ ﷺ: ((الحَرْبُ خَدْعَةٌ)). رَوَاهُ البُخَارِيُّ (٣٠٣٠)، وَمُسْلِمٌ (١٧٣٩) عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا.(٢) تَفْسِيرُ البَغَوِيِّ (٤/ ٣٢٨).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute