وَمِنْهُم مَنْ يَعْتَدِلُ فِي خَوفِهِ -وَهَذَا هُوَ الخَوفُ العَدْلُ-، وَضَابِطُهُ أَنَّهُ يَرُدَّ العَبْدَ عَنْ مَحَارِمِ اللهِ فَقَطْ وَلَا يُقَنِّطُهُ" (١).
وَتَأَمَّلْ قَولَهُ ﵊ فِي الحَدِيثِ ((اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا تَحُولُ بِهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ)) (٢).
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ ﵀: "وَالقَدْرُ الوَاجِبُ مِنَ الخَوفِ؛ مَا حَمَلَ عَلَى أَدَاءِ الفَرَائِضِ وَاجْتِنَابِ المَحَارِمِ، فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ بِحَيثُ صَارَ بَاعِثًا لِلنُّفُوسِ عَلَى التَّشْمِيرِ فِي نَوَافِلِ الطَّاعَاتِ وَالانْكِفَافِ عَنْ دَقَائِقِ المَكْرُوهَاتِ وَالتَّبَسُّطِ فِي فُضُولِ المُبَاحَاتِ؛ كَانَ ذَلِكَ فَضْلًا مَحْمُودًا، فَإِنْ تَزَايَدَ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ أَورَثَ مَرَضًا أَو مَوتًا أَو هَمًّا لَازِمًا بِحَيثُ يَقْطَعُ عَنِ السَّعْي فِي اكْتِسَابِ الفَضَائِلِ المَطْلُوبَةِ المَحْبُوبَةِ للهِ ﷿؛ لَمْ يَكُنْ مَحْمُودًا" (٣).
- فِي الآيَةِ الثَّانِيَةِ قَرَنَ اللهُ تَعَالَى بَينَ الإِيمَانِ بِهِ وَبَينَ الإِيمَانِ بِاليَومِ الآخِرِ -وَكَثِيرًا مَا يَقْرِنُ اللهُ تَعَالَى بَينَهُمَا-، وَسِرُّ ذَلِكَ أَنَّ الإِيمَانَ بِاليَومِ الآخِرِ يَحْمِلُ الإِنْسَانَ عَلَى الامْتِثَالِ، فَإِنَّهُ إِذَا آمَنَ أَنَّ هُنَاكَ بَعْثًا وَجَزَاءً؛ حَمَلَهُ ذَلِكَ عَلَى العَمَلِ لِذَلِكَ اليَومِ.
(١) القَولُ المُفِيدُ (٢/ ٦٧).قَالَ الشَّيخُ السَّعْدِيُّ ﵀ فِي التَّفْسِيرِ (ص ١٥٧): " ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عِمْرَان: ١٧٥]: وَفِي هَذِهِ الآيَةِ وُجُوبُ الخَوفِ مِنَ اللهِ وَحْدَهَ، وَأَنَّهُ مِنْ لَوَازِمِ الإِيمَانِ، فَعَلَى قَدْرِ إِيمَانِ العَبْدِ يَكُونُ خَوفُهُ مِنَ اللهِ، وَالخَوفُ المَحْمُودُ مَا حَجَزَ العَبْدَ عَنْ مَحَارِمِ اللهِ".(٢) صَحِيحٌ. سُنَنُ التِّرْمِذِيِّ (٣٥٠٢) عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا. صَحِيحُ الجَامِعِ (١٢٦٨).(٣) التَّخْوِيفُ مِنَ النَّارِ (ص ٢٨).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute