وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ قَولُهُ تَعَالَى عَنْ إِبْرَاهِيم وَقَومِهِ: ﴿وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ * وَكَيفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَينِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الأَنْعَام: ٨٠ - ٨١].
وَأَيضًا قَولُهُ تَعَالَى عَنْ هُودٍ وَقَومِهِ: ﴿قَالُوا يَاهُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ * إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [هُود: ٥٣ - ٥٦].
وَكَمَا فِي قَولِهِ تَعَالَى: ﴿أَلَيسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ [الزُّمَر: ٣٦] (١).
٢ - الخَوفُ المُحَرَّمُ (٢): وَهُوَ أَنْ يَخَافَ مِنْ مَخْلُوقٍ فَيُطِيعَهُ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ، أَو يَتْرُكَ مَا أَوجَبَهُ اللهُ عَلَيهِ -خَوفًا مِنْ عِقَابِ ذَلِكَ المَخْلُوقِ-، بِحَيثُ أَنَّهُ إِذَا هَدَّدَهُ إِنْسَانٌ
(١) قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ ﵀ فِي التَّفْسِيرِ (٧/ ١٠٠): "وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ، يَعْنِي المُشْرِكِينَ؛ يُخَوِّفُونَ الرَّسُولَ ﷺ وَيَتَوَعَّدُونَهُ بِأَصْنَامِهِم وَآلِهَتِهِم الَّتِي يَدْعُونَهَا مِنْ دونِ اللهِ جَهْلًا مِنْهُم وَضَلَالًا، ولِهَذَا قَالَ ﷿: ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ﴾ أَي: مَنِيعِ الجَنَابِ، لَا يُضَامُ مَنِ اسْتَنَدَ إِلَى جَنَابِهِ وَلَجَأَ إِلَى بَابِهِ، فَإِنَّهُ العَزِيزُ الَّذِي لَا أَعَزَّ مِنْهُ وَلَا أَشَدَّ انْتِقَامًا مِنْهُ مِمَّنْ كَفَرَ بِهِ وَأَشْرَكَ وَعَانَدَ رَسُولَهُ ﷺ".(٢) وَالَّذِي قَبْلَهُ أَيضًا مُحَرَّمٌ -لَا رَيبَ فِي ذَلِكَ- وَلَكنَّهُ أَخَصُّ مِنْهُ، كَمَا فِي تَفْرِيقِ أَهْلِ العِلْمِ فِي الذُّنُوبِ بَينَ الشِّرْكِ وَالكَبِيرَةِ وَالمَعْصِيَةِ؛ رُغمَ أَنَّهَا كُلَّهَا هِيَ مِنْ جُمْلَةِ المَعَاصِي، وَلَكِنَّهُم يَعْنُونَ بِالأَخِيرِ عُمُومَ المَعَاصِي مِنَ الصَّغَائِرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute