الكَمَالِ الوَاجِبِ -الَّذِي يُذَمُّ تَارِكُهُ وَيَتَعَرَّضُ لِلْعُقُوبَةِ-؛ فَقَدْ صَدَقَ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ نَفْيُ الكَمَالِ المُسْتَحَبِّ! فَهَذَا لَمْ يَقَعْ قَطُّ فِي كَلَامِ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ، فَإِنَّ مَنْ فَعَلَ الوَاجِبَ كَمَا وَجَبَ عَلَيهِ وَلَمْ يَنْتَقِصْ مِنْ وَاجِبِهِ شَيئًا؛ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ: مَا فَعَلَهُ! لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا" (١).
- حَدِيثُ أَنَسٍ ﵁ فِيهِ جَوَامِعٌ مِنَ الكَلِمِ، لِأَنَّهُ قَدْ جَمَعَتْ هَذِهِ الأَلْفَاظُ اليَسِيرَةُ مَعَانٍ كَثِيرْةً، فَأَقْسَامُ المَحَبَّةِ الدُّنْيَوِيَّةِ ثَلَاثَةٌ: مَحَبَّةُ إِجْلَالٍ وَعَظَمَةٍ كَمَحَبَّةِ الوَالِدِ، وَمَحَبَّةُ شَفَقَةٍ وَرَحْمَةٍ كَمَحَبَّةِ الوَلَدِ، وَمَحبَّةُ اسْتِحْسَانٍ وَمُشاكَلَةٍ كَمَحَبَّةِ النَّاسِ، فذَكَرَ الحَدِيثُ أَصْنَافَ المَحَبَّةِ جَمِيعِهَا (٢).
وَأَيضًا قَولُهُ: ((حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيهِ)) فِيهِ ذِكْرُ المَحَبَّةِ فِي اللهِ، وَهِيَ مَحَبَّةُ الرَّسُولِ ﷺ.
- قَولُهُ: ((وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الإِيمَانِ)) قَالَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ ﵀: "قَالَ العُلَمَاءُ ﵏: مَعْنَى حَلَاوَةِ الإِيمَانِ: اسْتِلْذَاذُ الطَّاعَاتِ، وَتَحَمُّلُ المَشَقَّاتِ فِي رِضَى اللهِ ﷿ وَرَسُولِهِ ﷺ، وَإِيثَارُ ذَلِكَ عَلَى عَرَضِ الدُّنْيَا، وَمَحَبَّةُ العَبْدِ رَبَّهُ ﷾ بِفِعْلِ طَاعَتِهِ وَتَرْكِ مُخَالَفَتِهِ، وَكَذَلِكَ مَحَبَّةُ رَسُولِ اللهِ ﷺ" (٣).
(١) وَفِي البُخَارِيِّ (١٣) وَمُسْلِمِ (٤٥) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ مَرْفُوعًا: ((لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)).قَالَ الحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ ﵀ فِي كِتَابِهِ (جَامِعُ العُلُومِ وَالحِكَمِ) (٣٠٢) -عِنْدَ شَرْحِ حَدِيثِ رَقَم (١٣) -: "فَإِنَّ الإِيمَانَ كَثِيرًا مَا يُنْفَى لِانْتِفَاءِ بَعْضِ أَرْكَانِهِ وَوَاجِبَاتِهِ، كَقَولِهِ ﷺ: ((لَا يَزْنِي الزَّانِي -حِينَ يَزْنِي- وَهُوَ مُؤْمِنٌ)) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ، وَقَولِهِ: ((وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بِوَائِقَهُ)) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ".(٢) قَالَهُ ابْنُ دَقِيقٍ العَيد ﵀ فِي شَرْحِ الأَرْبَعِينَ النَّوَوِيَّةِ (حَدِيث ٤١) (ص ١٣٦).(٣) شَرْحُ مُسْلِمٍ (٢/ ١٣).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute