اللهِ المُحَرَّمِ اسْتَحَلُّوهُ، وَأَخَّرُوا الحُرْمَةَ إِلَى شَهْرِ صَفَرَ، وَهَذِهِ النَّسِيئَةُ هِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا اللهُ بِقَولِهِ: ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ﴾ [التَّوبَة: ٣٧].
- هَذَا النَّفيُ فِي هَذِهِ الأُمُورِ المَذْكُورَةِ فِي الحَدِيثِ لَيسَ نَفيًا لِلوُجُودِ؛ لِأَنَّهَا مَوجُودَةٌ، وَلَكِنَّهُ نَفْيٌ:
١ - لِلتَّأثِيرِ بِنَفْسِهِ إِنْ كَانَ سَبَبًا صَحِيحًا؛ كَالعَدْوَى.
٢ - أَو نَفْيًا لِكَونِهِ سَبَبًا إِنْ كَانَ بَاطِلًا؛ كَالطِّيَرَةٍ وَالهَامَةِ وَالنَّوءِ.
وَأَمَّا الغُولُ؛ فَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِكِلَيهِمَا، وَسَيَأْتِي.
- قَولُهُ: ((وَلَا نَوءَ)) هُوَ وَاحِدُ الأَنْوَاءِ، وَالأَنْوَاءُ هِيَ: مَنَازِلُ القَمَرِ (١).
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ ﵀: "كَانُوا يَقُولُونَ: (مُطِرْنَا بِنَوءِ كَذَا) فَأَبْطَلَ ﷺ ذَلِكَ؛ بِأَنَّ المَطَر إِنَّمَا يَقَعُ بِإِذْنِ اللهِ لَا بِفِعْلِ الكَوَاكِب -وَإِنْ كَانَتِ العَادَةُ جَرَتْ بِوُقُوعِ المَطَرِ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ- لَكِنْ بِإِرَادَةِ اللهِ تَعَالَى وَتَقْدِيرِهِ؛ لَا صُنْعَ لِلْكَوَاكِبِ فِي ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ" (٢).
(١) وَهِيَ ثَمَانٍ وَعِشْرُونَ مَنْزِلَةً، كُلُّ مَنْزِلَةٍ لَهَا نَجْمٌ؛ تَدُورُ بِمَدَارِ السَّنَةِ، وَهَذِهِ النُّجُومُ بَعْضُهَا يُسَمَّى النُّجُومَ الشَّمَالِيَّةَ -وَهِيَ لِأَيَّامِ الصَّيفِ-، وَبَعْضُهَا يُسَمَّى النُّجُومَ الجَنوبِيَّةَ -وَهِيَ لِأَيَّامِ الشِّتَاءِ-، وَأَجْرَى اللهُ العَادَةَ أَنَّ المَطَرَ -مَثَلًا فِي وَسَطِ الجَزِيرَةِ العَرَبيَّةِ- يَكُونُ أَيَّامَ الشِّتَاءِ، أَمَّا أَيَّامَ الصَّيفِ فَلَا مَطَرَ، فَكَانَتِ العَرَبُ تَعْتَقِدُ أَنَّ المَطَرَ يَكُونُ بِالأَنْوَاءِ، وَأَنَّ بَعْضَهَا مَحْمُودٌ وَبَعْضَهَا مَنْحُوسٌ لَا يَأْتِي فِيهَا خَيرٌ، وَلِهَذَا كَانُوا يُسَمُّونَ بَعْضَهَا: سَعْدًا أَو سَعْدَ السُّعُودِ، وَبَعْضُهَا يَتَشَاءَمُونَ بِهَا أَشَدَّ التَّشَاؤُمِ كَسَعْدِ الذَّابِحِ، فَيَقُولُونَ: هَذَا نَوءٌ غَيرُ مَحْمُودٍ، يَعْنِي: أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ فِيهِ المَطَرُ وَلَا يَحْصُلُ فِيهِ الخَيرُ. اُنْظُرْ كِتَابَ (القَولُ المُفِيدُ) (١/ ٥٦٨).(٢) فَتْحُ البَارِي (١٠/ ١٥٩).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute