أ- عُمُومِ النَّهْي دُونَ مُخَصِّصٍ، كَمَا سَبَقَ فِي الحَدِيثِ: ((أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا القُبُورَ مَسَاجِدَ)) (١)، وَعَلَيهِ فَلَا فَرْقَ أَيضًا فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ بَينَ كَونِ المَسْجِدِ هُوَ الطَّارِئُ عَلَى القَبْرِ أَوِ العَكْسُ.
ب- أَنَّ النَّهْي عَنِ الصَّلَاةِ إِلَى القَبْرِ أَخَصُّ مِنَ عُمُومِ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ فِي المَسَاجِدِ الَّتِي فِيهَا القُبُورُ، بَلْ كُلٌّ مِنْهُمَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِوَحْدِهِ، فَحَدِيثُ النَّهْي عَنِ اسْتِقْبَالِ القَبْرِ فِي الصَّلَاةِ عَامٌّ فِي كُلِّ مَوضِعٍ -سَوَاءً فِي المَسْجِدِ الَّذِي فِيهِ قَبْرٌ أَوْ خَارِجَهُ-، وَأَمَّا المَسْجِدُ؛ فَإِنَّ النَّهْيَ فِيهِ غَيرُ مُقَيَّدٍ بِالاسْتِقْبَالِ، بَلْ هُوَ عَامٌّ لِعُمُومِ حَدِيثِ: ((لَا تَتَّخِذُوا القُبُورَ مَسَاجِدَ)).
وَيَشْهَدُ لِلتَّفْرِيقِ -بَينَ المَسْجِدِ المُتَّخَذِ لِلصَّلَاةِ؛ وَبَينَ عُمُومِ أَمَاكِنِ الصَّلَاةِ- مَا ثَبَتَ عَنْ أَنَسٍ ﵁؛ أَنَّهُ قَالَ: (قُمْتُ يَومًا أُصَلِّي -وَبَينَ يَدِيَّ قَبْرٌ لَا أَشْعُرُ بِهِ-، فَنَادَانِي عُمَرُ: القَبْرَ! القَبْرَ! فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَعْنِي القَمَرَ، فَقَالَ لِي بَعْضُ مَنْ يِلِينِي: إِنَّمَا يَعْنِي القَبْرَ، فَتَنَحَّيتُ عَنْهُ) (٢).
فَقَولُهُ: (فَتَنَحَّيتُ) يُفِيدُ أَنَّ النَّهْيَ هُوَ عَنِ الاسْتِقْبَالِ فَقَط -فِي غَيرِ المَسْجِدِ المُتَّخَذِ لِلصَّلَاةِ-، وَفِي لَفْظٍ آخَرَ: أَنَّهُ (جَازَ القَبْرَ وَصَلَّى).
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ ﵀: "وَالأَثَرُ المَذْكُورُ عَنْ عُمَرَ رَوَينَاهُ مَوصُولًا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ لِأَبِي نُعَيمٍ -شَيخِ البُخَارِيِّ- وَلَفْظُهُ: (بَينَمَا أَنَسٌ يُصَلِّي إِلَى قَبْرٍ؛ نَادَاهُ عُمَرُ: القَبْرَ! القَبْرَ! فَظَنَّ أَنَّهُ يَعْنِي القَمَرَ، فَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ يَعْنِي القَبْرَ؛ جَازَ القَبْرَ وَصَلَّى)،
(١) مُسْلِمٌ (٥٣٢) عَنْ جُنْدَبٍ مَرْفُوعًا.(٢) رَوَاهُ البُخَارِيُّ (١/ ٩٣) مُعَلَّقًا، وَوَصَلَهُ الحَافِظُ، وَهُوَ عِنْدَ البَيهَقِيِّ فِي الكُبْرَى (٤٢٧٧) وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ (١٥٨١) وَغَيرِهِ، وَصَحَّحَهُ الشَّيخُ الأَلْبَانِيُّ ﵀ فِي كِتَابِهِ تَحْذِيرُ السَّاجِدِ (ص ٣٥).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute