العَمَى، قَالَ لَهُمْ صَالِحُ ذَلِكَ بَعْدَ هَلَاكِهِمْ تَقْرِيعًا وَتَوبِيخًا -وَهُمْ يَسْمَعُونَ ذَلِكَ- كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَينِ … " (١) وَذَكَرَ حَدِيثَ القَلِيبِ.
الدَّلِيلُ الرَّابِعُ: حَدِيثُ النَّسَائِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا: ((إِنَّ للهِ تَعَالَى مَلَائِكَةً سَيَّاحِينَ فِي الأَرْضِ يُبَلِّغُونِي مِنْ أُمَّتِي السَّلَامَ)) (٢).
وَوَجْهُ الدِّلَالَةِ أَنَّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَا يَسْمَعُ سَلَامَ مَنْ يُسلِّمُ عَلَيهِ؛ إِذْ لَو كَانَ يَسْمَعُهُ بِنَفْسِهِ لَمَا كَانَ بِحَاجَةٍ إِلَى مَنْ يُبَلِّغُهُ إِيَّاهُ، فَالاسْتِدْلَالُ هُنَا هُوَ مِنْ بَابِ قِيَاسِ الأَولَى بِالنِّسْبَةِ لِعُمُومِ الأَمْوَاتِ؛ وَلِعُمُومِ الكَلَامِ، أَي أَنَّهُ إِذَا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ -وَهُوَ سَيِّدُ البَشَرِ- لَا يَسْمَعُ سَلَامَ المُسَلِّمِ عَلَيهِ وَإِنَّمَا يَصِلُهُ بَلَاغًا؛ فَعَامَّةُ الأَمْوَاتِ مِنْ بَابِ أَوْلَى أَنَّهُم لَا يَسْمَعُونَ السَّلَامَ؛ بَلْ وَسَائِرَ الكَلَامِ (٣).
(١) تَفْسِيرُ ابْنِ كَثِيرٍ (٣/ ٤٤٣).لَكِنَّ قَولَهُ: (وَهُمْ يَسْمَعُونَ ذَلِكَ) لَيسَ فِي الآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَيهِ، كَمَا أَرْشَدَ إِلَيهِ الشَّيخُ الأَلْبَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.(٢) صَحِيحٌ. النَّسَائِيُّ (١٢٨٢). صَحِيحُ الجَامِعِ (٢١٧٤).(٣) قُلْتُ: وَيُمْكِنُ إِيرَادُ أَدِلَّةٍ أُخَرَ فِي مَسْأَلَةِ عَدَمِ السَّمَاعِ.كَقَولِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا﴾ [الرَّعْد: ٣١]، حَيثُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ تَكْلِيمَ المَوتَى بِحَيثُ يَسْمَعُونَ وَيُجِيبُونَ وَيَهْتَدُونَ هُوَ أَمْرٌ خَارِجٌ عَنِ الأَصْلِ، بَلْ إِنْ كَانَ فَهُوَ لَا يَكُونُ لِغَيرِ القُرْآنِ الكَرِيمِ.قَالَ البَيضَاوِيُّ ﵀ فِي التَّفْسِيرِ (٣/ ٣٣٠): " ﴿أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى﴾ فَتَسْمَعُ فَتَقْرَؤُهُ، أَو فَتَسْمَعُ وَتُجِيبُ عِنْدَ قِرَاءَتِهِ؛ لَكَانَ هَذَا القُرْآنُ، لِأَنَّهُ الغَايَةُ فِي الإِعْجَازِ وَالنِّهَايَةُ فِي التَّذْكِيرِ وَالإِنْذَارِ".وَكَقَولِهِ تَعَالَى أَيضًا: ﴿يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإِسْرَاءُ: ٥٢].قَالَ الإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ القَصَّابُ ﵀: "فَأَخْبَرَ عَمَّن قَدْ أَمَاتَهُ تِلْكَ المَوْتَةَ بِمَا تَرَى؛ فَلَو كَانُوا يَشْعُرُونَ لَعَلِمُوا أَنَّهُم أَقَامُوا طَوِيلًا لَيسَ قَلِيلًا، وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ فِي القُرْآنِ". النُّكَتُ الدَّالَّةُ عَلَى البَيَانِ (١/ ١٨٦).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute