أَصْلًا، كَمَا فِي حَدِيثِ ثَوبَان مَرْفُوعًا: ((لَا يَرُدُّ القَدَرَ إِلَّا الدُّعَاءُ، وَلَا يَزِيدُ فِي العُمُرِ إِلَّا البِرُّ)) (١)، فَتأمَّلْ قَولَهُ: ((لَا يَرُدُّ القَدَرَ إِلَّا الدُّعَاُء)) حَيثُ أَنَّ الاسْتِثْنَاءَ بَعْدَ النَّفْي يُفِيدُ الحَصْرَ.
وَفِي الحَدِيثِ: ((الدُّعَاءُ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزَلْ؛ فَعَلَيكُمْ عِبَادَ اللهِ بِالدُّعَاءِ)) (٢)، فَهُوَ صَرِيحٌ فِي دَفْعِ البَلَاءِ وَرَفْعِهِ.
- فِي قَولِهِ: ((فَإِنَّكَ لَو مِتَّ وَهِيَ عَلَيكَ؛ مَا أَفْلَحْتَ أَبَدًا)) أَي: لَو مَاتَ وَلَمْ يَتُبْ مِنْهَا مَا أَفْلَحَ أَبَدًا، فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الشِّرْكَ لَا يُغْفَرُ حَتَّى وَلَو كَانَ شِرْكًا أَصْغَر، فَهُوَ يُعذَّبُ بِهِ -وَإِنْ كَانَ لَا يعذَّبُ تَعْذِيبَ المُشْرِكِ الشِّرْكَ الأَكْبَرَ- فَهُوَ لَا يُخَلَّدُ فِي النَّارِ، لَكِنْ يُعَذَّبُ بِهِ بِقَدَرِهِ (٣)، فَفِيهِ شَاهِدٌ لِكَلَامِ الصَّحَابَةِ: "أَنَّ الشِّرْكَ الأَصْغَرَ أَكْبَرُ مِنَ الكَبَائِرِ" (٤).
(١) صَحِيحٌ. ابْنُ مَاجَه (٤٠٢٢). وَالحَدِيثُ بِهَذَا القَدْرِ صَحِيحٌ. الصَّحِيحَة (١٥٤).(٢) حَسَنٌ. الحَاكِمُ (١٨١٥) عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا. صَحِيحُ الجَامِعِ (٣٤٠٩).(٣) يُنْظَرُ: إِعَانَةُ المُسْتَفِيدِ (١/ ١٩١).قُلْتُ: وَفِي القَولِ بِعَدَمِ مَغْفِرَةِ الشِّرْكِ الأَصْغَرِ -إِلَّا بِالتَّوبَةِ- خِلَافٌ بَينَ أَهْلِ العِلْمِ.قَالَ شَيخُ الإِسْلَامِ ﵀ فِي كِتَابِهِ (تَلْخِيصُ كِتَابِ الاسْتِغَاثَةِ) المَعْرُوفِ بِاسْمِ (الرَّدُ عَلَى البَكْرِيِّ) (ص ٣٠١): "وَقَدْ يُقَالُ: الشِّرْكُ لَا يُغْفَرُ مِنْهُ شَيءٌ لَا أَكْبَرَ وَلَا أَصْغَرَ -عَلَى مُقْتَضَى عُمُومِ القُرْآنِ-؛ وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الشِّرْكِ الأَصْغَرِ يَمُوتُ مُسْلِمًا، لَكِنَّ شِرْكَهُ لَا يُغْفَرُ لَهُ، بَلْ يُعَاقَبُ عَلَيهِ، وَإِنْ دَخَلَ بَعْدَ ذَلِكَ الجَنَّةَ".(٤) وَسَيَأْتِي الكَلَامُ عَلَيهِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى فِي بَابِ قَولِهِ تَعَالَى: ﴿فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البَقَرَة: ٢٢].
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute