الجَرَّاحِ ﵄ أَنَّ الوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِأَرْضِ الشَّامِ، فَاسْتَشَارَ الصَّحَابَةَ ﵃، فَأَمَرُهُمْ عُمَرُ بِالاِنْصِرَافِ عَنْهَا، وَقَالَ: (إِنِّي مُصَبِّحٌ عَلَى ظَهْرٍ فَأَصْبِحُوا)، فَلَمَّا قَالَ لَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ بن الجَرَّاحِ: أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللهِ؟ فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ، نَعَمْ؛ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللهِ إِلَى قَدَرِ اللهِ.
فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَن بنُ عَوْفٍ - وَكَانَ مُتَغَيِّبًا فِي بَعْضِ حَاجَتِهِ - فَقَالَ: إِنَّ عِنْدِي فِي هَذَا عِلْمًا، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: (إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدُمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ).
قَالَ قِوامُ السُّنَّةِ ﵀: "وَاسْتَعْمَلُ عُمَرُ ﵁ فِي ذَلِكَ الحَذَرَ، وَأَثْبَتَ القَدَر، وَهُوَ نَهْجُ السَّلَفِ الصَّالِحِ" (١).
وَقَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: "وَفِي قَوْلِ عُمَرَ ﵁ إِثْبَاتٌ لِلْقَدَرِ؛ إِذْ رَأَى تَصَرُّفَ الأَحْوَالِ كُلِّهَا بِقَدَرِ اللهِ" (٢).
وَهَذَا الَّذِي قَرَّرَهُ الإِمَامُ قِوَامُ السُّنَّةِ ﵀ مُوَافِقٌ لِمَا عَلَيْهِ سَلَفُ الأُمَّةِ كَمَا صَرَّحَ هُوَ بِنَفْسِهِ، وَهُوَ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ آيَاتُ القُرْآنِ، وَأَحَادِيثُ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ، وَنُقِلَ عَلَيْهِ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، مِنْ إِثْبَاتِ قَدَرَ اللهِ، وَالتَّسْلِيمِ بِهِ، وَاعْتِقَادِ أَنَّ الْأُمُورَ كُلَّهَا لَا تَخْرُجُ عَمَّا قَضَاهُ اللهُ وَقَدَّرَهُ.
قَالَ طَاوُسٌ: "أَدْرَكْتُ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، يَقُولُونَ: كُلُّ شَيْءٍ
(١) (٥/ ٢٥٩) من قسم التحقيق.(٢) التحرير في شرح صحيح مسلم (ص: ٥٣١).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute