وأما هذه الأحاديث التي قد يفهم منها جواز إمامة العبد، كقوله -صلى الله عليه وسلم-: (اسمعوا وأطيعوا، وإن استُعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة)، فأحسن ما قيل في الجواب عنها: القول الأول، وهو أن المرد: وجوب طاعته لكونه مستعملًا من قبل الإمام الأعظم، لا أنه هو الإمام الأعظم، وقد قال القرطبي:"أجمعت الأمة على أن جميع الولايات تصح لغير قريش ما خلا الإمامة الكبرى"(١).
وعقد البيهقي في سننه بابًا بعنوان:"باب: جواز تولية الإمام من ينوب عنه وإن لم يكن قرشيًا"(٢)، وذكر تحته عدة أحاديث، منها: حديث أم الحصين -رضي الله عنها- أنها سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول:(ولو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا)(٣).
ومما يؤيد هذا القول: ما أخرجه الحاكم من حديث علي -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الأئمة من قريش ... وإن أمَّرَتْ عليكم عبدًا حبشيًا مجدَّعًا فاسمعوا له وأطيعوا)(٤).
ويعضده أيضًا: بعض ألفاظ الحديث، ففي رواية يقول:(وإن استعمل عليكم)، وفي رواية أخرى:(إن أُمِّر عليكم عبد)، فظاهر هذه الألفاظ أن العبد مستعمل ومؤمَّر من قبل الإمام الأعظم، وليس هو الإمام الأعظم (٥).
وأما بقية الأقوال فمحتمَلة ما عدا الرابع منها وهو: أن إطلاق لفظ
(١) المفهم (٤/ ٧). (٢) السنن الكبرى (٨/ ١٥٤). (٣) أخرجه مسلم، وقد تقدم تخريجه ص (٥٤٢). (٤) المستدرك (٤/ ٨٥ - ٨٦) ح (٦٩٦٢)، وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم: "إسناده جيد، ولكنه رُوي عن علي موقوفًا، وقال الدارقطني: هو أشبه"، وصححه الألباني كما في صحيح الجامع (١/ ٥٣٤) ح (٢٧٥٧)، وانظر: إرواء الغليل (٢/ ٢٩٩ - ٣٠٠) كما أخرجه الطبراني في الأوسط (٤/ ٢٦) ح (٣٥٢١) لكنه بلفظ: (أُمر) بدل: (أمرت). (٥) انظر: الإمامة العظمى للدميجي (٢٤٣).