وأما قوله -صلى الله عليه وسلم-: (نحن أحق بالشك من إبراهيم) فليس فيه إثبات للشك، كما قد يُتوهم، ولذا قال ابن كثير رحمه الله تعالى، عند هذا الحديث: "ليس المراد ههنا بالشك: ما قد يفهمه من لا علم عنده، بلا خلاف" (٢).
ومعنى الحديث الذي لا يحتمل غيره (٣): -ما جاء في القول الأول من- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أراد نفي الشك عن إبراهيم -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، فقوله:(نحن أحق بالشك من إبراهيم) أي: إن إبراهيم -عَلَيْهِ السَّلَامُ- لم يطلب رؤية إحياء الموتى لأجل الشك، لأنه لو كان شاكًا لكنا نحن أحق بالشك منه، وحيث إنا لا نشك فإن إبراهيم -عَلَيْهِ السَّلَامُ- لم يكن شاكًا من باب أولى (٤)، ولا يلزم من هذا أن يكون إبراهيم -عَلَيْهِ السَّلَامُ- أفضل من نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، لأنه قال ذلك تواضعًا وأدبًا (٥).
وسبب تخصيص إبراهيم -عَلَيْهِ السَّلَامُ- بالذكر، لكون آية البقرة قد يسبق منها إلى بعض الأذهان وقوع الشك منه (٦).
قال ابن عطية عن هذا الحديث: "معناه: أنه لو كان شك لكنا نحن أحق به، ونحن لا نشك، فإبراهيم -عَلَيْهِ السَّلَامُ- أحرى ألا يشك، فالحديث مبني على نفي الشك عن إبراهيم" (٧).
وقال ابن حزم: "أما ما رُوي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، من قوله:(نحن أحق بالشك من إبراهيم)، فمن ظن أن النبي -صلى الله عليه وسلم- شك قط في قدرة ربه -عَزَّ وَجَلَّ- على
(١) الروض الباسم (٢/ ٤٦٥). (٢) تفسير القرآن العظيم (١/ ٤٧١). (٣) انظر: تفسير القرآن الكريم للعثيمين (٣/ ٣٠٥). (٤) انظر: منة المنعم في شرح صحيح مسلم (١/ ١٣٣). (٥) وقيل إنه قال ذلك قبل أن يعلم أنه خير ولد آدم. [نظر: شرح النووي على مسلم (٢/ ٥٤٢)]. (٦) انظر: شرح النووي على مسلم (٢/ ٥٤٢). (٧) المحرر الوجيز (٢/ ٣٠٣).